الخميس، 4 يوليو 2019

قصة بعنوان{{المرأة التي لا تموت}} بقلم الاديب القدير العراقي{{رعد الإمارة }}

(المرأة التي لا تموت )

كنت احب طريقتها الفاتنة في النظر إلي وانا أتناول طعامي! وكانت تشاركني بتناول لقيمات صغيرة من هناك وهناك لكنها بالنهاية تنفض يدها ثم تلتقط علبة الكلينكس الصغيرة من حقيبتها! تمسح فمها العنابي الصغير مرة ومرتان وثلاث ثم تدعك به أصابعها قبل أن تضعه جانبا! عندها تطلب علبة سفن آب!رشفة قصيرة ثم أخرى طويلة ترمقني خلالها فيكف فمي عن  مضغ الطعام ! يحمر وجهي واهرب من عيناها في زحام المائدة ! تضع ذقنها الطري بين راحتيها وتهمس بحنان! عليك أن تأكل كل هذا الطعام! طعامك وطعامي! وجهك وملامحك مصفرة! ثم تقطب حاجبيها علامة الأسى المشوب بغضب خفيف! يرن هاتفها! تلتقطه من على المائدة! تلاحق نظراتي وهما تحدقان في اصابعها البيضاء الرشيقة! تمنحني ظل بسمة ثم ترد! نعم موجود لدي ! لحظة! تمد اصابعها وتلتقط كراسا صغيرا من حقيبتها وقلما بألوان زاهية! ثم تكتب وهي تهز رأسها بلطف! تنهي الحديث! تترك كل شىء على المائدة! ثم تلاحقني بنظراتها! أنت لم تأكل من هذا! وتدفع بطبق صغير طافح بالطحينية! لكنه لك حبيبتي! أنت تفضلين الطحينية مع البابا غنوج! أحاول دفع الطبق  أمامها لكن اصابعها تظل قابضة على حافته  وهي تثبته أمامي بعناد! احدق في ملامح وجهها المبتسم بعذوبة! تنهار مقاومتي! ادفع بالملعقة في وسط الطبق  وانا اتنهد! رنة أخرى من هاتفها! حتما زبون آخر!تلتقط الهاتف بسرعة! ترد بإيجاز وتكتب شيئا ما في الكراس الصغير ثم تفتح حقيبتها! تخفي أغراضها! تلتقط الهاتف وتحدق فيه ثم تبتسم بسخرية! تغلقه وترمي به في الحقيبة المفتوحة! تلتفت يمينا وشمالا ثم تهمس !أنا أحبك حبيبي! تقول ذلك وتلمع عيناها بلمعة غريبة! ربي لايحرمني منك! أتعرف لدي طلبية كبيرة ولابد أن أرسل في طلب البضاعة من الشركة حتى اتفرغ لتجهيز الزبائن بها! طيب لنرحل إذن !امهليني لحظات ريثما اغسل يداي! إنتظر تهمس لي وهي متشبثة بذراعي! اجلس! من تحدث عن الانصراف!ها! ثم إنك لم تشرب شايا كالعادة ولادخنت سيجارة! ونطت الدهشة من ملامح وجهي حين سمعتها تتحدث عن السيجارة! اتعنين إنك تسمحين لي بتدخين سيجارة! ردت بهمس رقيق! طبعا حبيبي! واحدة فقط! ثم أضافت وهي ترمقني بثبات! أنا أعرف انك تدخن! لون أسنانك يفضحك! وحتى حركات أصابعك! وبخجل كبير استل سيجارة من العلبة التي كنت اخفيها بحرص شديد!تكبر ابتسامتها وهي تلاحق اصابعي! هيا دخنها لاتخف لن اقرصك! وكان من عادتها أن تقرصني بأصابعها في خاصرتي مابين الحين والآخر! تفعل ذلك عندما اثيرها! أو عندما  تكتشف بعض كذباتي البيضاء وما أكثرها! وبينما أكون منتشيا ومستلذا بتدخين سيجارتي إذا بي أراها تدنو بملامح وجهها الوسيم مني وتهمس فجأة !أظن اني جائعة!ثم تضحك مثل طفلة!عندها تتوقف شفاهي عن نفث الدخان!يابعد روحي هكذا اهمس لها! اطفىء ماتبقى من سيجارتي ثم أشير بأصبعي للنادل!كانت مغرمة بتناول الكباب مع شرائح الطماطم المشوية!وفيما تمد اصابعها البيضاء نحو طبق الكباب الساخن  أكون أنا قد سرحت بتأمل فمها الحلو!كنت استرق النظر إليه وهو يتحرك بصورة فاتنة! وكانت كالعادة تصطادني بنظراتها فتترك الطعام وتمنحني أجمل ابتساماتها!هيا كل معي فهذا كثير! عندها اهز رأسي بالرفض وأنا أعيد كلماتها! عليك أن تأكلي كل هذا! ملامحك مصفرة! عندها تضحك بعذوبة! تمسح اصابعها وفمها  ثم تلف ماتبقى من طعام وببطء شديد!سأخذه معي للبيت! هناك لن يكون بوسعك التحديق في فمي! اتنهد بصوت مسموع! تهمس إسم الله عليك من كل حسرة! هيا لنرحل!وقبل أن انهض تماما أشعر   بأن ثمة يد تستقر  على كتفي اليمين!  التفت نصف التفاتة! تملأ ملامحي دهشة مرعبة وأنا احدق في مقعدها الفارغ! يلاحق صاحب المطعم نظراتي! يسحب مقعدا ثم يجلس! يتنهد بصوت مسموع ويهمس! أستاذ أنت زبون مهم لدينا ومن رواد المطعم المعروفين! لكن بصراحة!وابتلع صاحب المطعم الشاب ريقه ثم أكمل! بصراحة وضعك لايسر! هل أنت مريض!؟مضى عليك ما يقارب الشهر بل أكثر وانت تكلم نفسك! تضحك وتبتسم لنفسك! وتطلب طعاما لشخص وهمي لايوجد إلا في خيالك! مهلا مهلا! هل تعني إنه لايوجد إمرأة هنا! وأشار للمقعد الفارغ! لقد كانت تهاتف زبائنها! وتناولت كبابا! لكنه أوقف عبارته في منتصفها وهو يحدق في طبق الكباب الممتلىء البارد! أشعل سيجارة بأصابع مرتجفة! وارتشف بعض الماء الذي أخذ يسيل على ذقنه!ثم أخذت أسنانه تصطك مع بعضها وانتابته قشعريرة اهتز لها جسده! قطع عليه صاحب المطعم شروده فجأة وقال! نعم كان ثمة إمرأة شابة! حضرت معك بالأشهر المنصرمة مرتان أو ثلاث ربما! لكن بعد ذلك انقطعت وأخذت تحضر لوحدك! ثم حدث هذا! الإشارات التي تبعثها للمقعد الفارغ ثم ضحكاتك وهذا أمر اثار استغراب رواد مطعمي! تعرف بعضهم كان يسخر ويبتسم مما تفعل وآخرون يهزون رؤوسهم! أرجوك لا أود خسارة رواد مطعمي! قال هذا ثم نهض منصرفا إلى حيث مكتبه قرب باب الخروج! أخذ ينظر يمينا وشمالا! ولاحظ فعلا إن ثمة من ينظر نحوه!هرب بنظراته فأصطادها نادلان كانا يقفان على جنب فشعر بهما يحدقان فيه بتعاطف واضح! رمش بعينيه وهو يحدق بالمقعد الفارغ أمامه!ثم إلى طبق الكباب الذي لم يمس ابدا! لمعت عيناه بشدة! وشعر بأن ثمة شىء قد تكسر في داخله! أشبه بعبرة بكاء متموجة! نهض بتخاذل واضح ورمى ببصره صوب باب الخروج وشعر بأنه أصبح بعيدا جدا! وضع علبة السجائر في جيبه العلوي بشكل واضح! ونحب شىء أكبر هذه المرة في داخله! سار بخطوات ثقيلة! وقف أمام صاحب المطعم وتناول ورقة صغيرة من على المنضدة وكتب رقم هاتفه! مد أصابعه المرتعشة بالحساب ثم همس له بضعف! أرجوك خدمة صغيرة! هذا رقم هاتفي! إن حضرت هذه المرأة إتصل بي!سأكون جدا ممتنا لحضرتك!نعم أستاذ أقسم لك بأني سأفعل! عندها شعر براحة وانفرجت اساريره!ابتسم بوجه صاحب المطعم! استدار وصافحت نظراته طاولته المفضلة ثم خرج مستقبلا أشعة الشمس! لم يدم الأمر إلا لحظات حتى  اقترب كابتن الصالة وقال لصاحب المطعم! إنه مسكين يا استاذ! هو مصدوم! قصته معروفة وربما لم تسمع بها فالمرأة التي كانت تأتي معه ميتة! لقد صدمتها سيارة عابرة قريبا من هنا حين كانت تهم بعبور الشارع! وكان هو موجودا لقد رأيناه يحتضنها في وسط الشارع والدماء تصبغ جسده! كانت آتية لموعدهما ربما المسكينة! قال هذا ثم استدار منصرفا! وفي الخارج فيما كانت أشعة الشمس ترسل شواظا من نار !كان هو يقف هناك عند شجرة النبق الكبيرة وهو يحدق بالجهة المقابلة للشارع مرددا مابين لحظة وأخرى! ستهبط من سيارة الأجرة! لابد أن تفعل! لكنها تأخرت!!!!!!  

بقلم /

رعد الإمارة 
/العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق