(رسالة موت )
كان صباحا مشرقا كالعادة، وقد أخذ النسيم البارد يلفح أجسادنا،رمقني بنظرة يشوبها الغضب فقد اختض جسده فيما بقيت أنا ثابتة،الأحمق لم يكن يرتدي معطفا يقيه برد الصباح فما ذنبي أنا. كنا نجلس شبه متلاصقين على سفح التل الأجرد، أحيانا كنا نشرد بنظراتنا متأملين نقطا وهمية في النهر العريض بمياهه الجارية ذات الأمواج التي خلت من الأصطخاب. أما أشعة الشمس فكانت تنعكس على صفحة المياه المعتمة ذات اللون البني بحثا عن لمعان ما. ظل يكتب بسرعة في دفتر صغير أستقر في حجره ،لكنه كان يكف أحيانا ليرميني بنظرة جانبية أو ليحدق للبعيد حيث اللاشىء في تلك المياه المنبسطة. ملعون، كان يشتهيني، شعرت بذلك، وإلا ماكان ليصطحبني معه، لكن الشهادة لله، لم أكن أروق له لوحده فقط، وإنما لغيره أيضا، فقد كنت ممتلئة وشهية. مضى الوقت بسرعة، وأصبح الطقس أكثر دفئا، وفيما أنا شاردة بتأملاتي، شعرت بأصابعه تداعب رأسي، إذ ازاح غطاء الرأس بخفة ووضعه جانبا،ثم عاد يداعب عنقي بأصابعه الرفيعة وقرب جسدي إليه ثم أدنى فمي من شفتيه وراح ينهل مني بتلذذ واضح. بعد لحظات من النشوة لم تدم طويلا أبعد شفتيه عن فمي، حدق بجسدي ثم تجشأ وهو يضحك وأخذ يمسح شفتيه بظاهر كفه .كنت أشعر بالخواء وبأني فعلا منهكة فاللعين كان قد امتصني تماما،واصلت التأمل وحاولت أن لا اعبأ بوجوده وخاصة وقد عاد للكتابة بصورة أسرع هذه المرة، لكن فجأة وجدته يرمقني،كان ثمة نظرة غريبة في عينيه لم أفهم معناها إلا لاحقا.لمحته كيف طوى الورقة واخفاها في كفه، لكنه عاد يعبث بجسدي ويتحسسه أكثر وأكثر ما اشعرني بالخمول!وبينما كنت هائمة في عالم آخر، إذا بيده تقبض على عنقي بقوة ،ثم تدس أصابعه شيئا في جسدي لم اتبينه في البداية، رد غطاء رأسي إلى موضعه، وبأسرع من لمح البرق طوح بي فأصابني دوار مرعب لم أفق منه إلا وجسدي تغمره مياه النهر الكبير.كان يتأملني بأهتمام يليق برجل اخرق، فيما كنت اطوح بجسدي شمالا ويمينا وانا غارقة في أكبر اندهاش يمكن أن يصيب المرء!أخذ تيار المياه الجاري يجذب جسدي برعونة، مع ذلك واصلت التحديق فيه بغضب وقد بدا كنقطة سوداء سرعان ما أخذت تختفي، شيئا فشيئا.نظرت حولي، وقررت أن أكون هادئة، لذا أخذت بتفحص المكان الذي لم يعدوا أن يكون ماء في كل الأحوال فيا للسخرية!حاولت أن أبدو قوية ورغم صلابة وقوة جسدي ،إلا إن الخوف أخذ يعتريني، وأشد ما كان يخيفني هو الوحدة، فما بالك إن كانت في مياه ثقيلة تكاد رائحتها تزكم الأنوف. بالنهاية لم أجد مفرا من الاستسلام للمياه، تركت مصيري بين يديها، لذا لم أعد اطوح بجسدي يمينا وشمالا، وهكذا استمرت رحلتي مع المياه لفترة طويلة جدا، ثم شعرت بأن ثمة من يجذبني، هناك من يسحب جسدي إذن، وفهمت الأمر أخيرا، كان صوت هدير المياه قد صك سمعي أخيرا، أنه شلال!سأغادر هذا المكان أخيرا، وللحظة حلمت بالمياه الضحلة القادمة حيث سيكون هناك حتما ضفة لنهر استريح عندها واغفوا قليلا. وهكذا وجدت نفسي انزلق لكني للحظة حدقت بجسدي، لقد دس فيه ورقة إذن، الآن فهمت الأمر، هي رسالة، تبا له! ثم لم انتبه إلا وجسدي يهوي أخيرا مرتطما بصخور المياه الضحلة التي حدقت فيها برعب قبل أن أتناثر إلى شظايا،كنت زجاجة حليب!!!!
بقلم /
رعد الإمارة
/العراق /في 9/8/2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق