قصة (نحيب الخريف)
تَخشّبتْ أصابعي على سلّمْ البناية! كانتْ تقف هناك،في أعلى السلّمْ مرتدية بنطالاً ضيقاً، فيما إرتفعتْ ياقة قميصها السمائي فإنسابَ الإغراء من بين نهديها الصغيرين المكورين.أخذتُ أنظر إليها، أو بالأحرى أخذتُ أختلسُ النظر إليها، أما نبضات قلبي المريض أصلاً ،فإنها أخذتْ ترتفع بوتيرة متصاعدة. كانتْ في هذه الأثناء تُداعبُ ضفيرتها الشقراء بأصابعها وتحّدق بي مثل قطة ماكرة، تفعل هذا في أغلب الأيام. رِحتُ أرتقي درجات السلّمْ، كانت رُكبتاي تصطكّان مع بعضهما من تحتي، بَذلتُ ما بوسعي من جهد فأشحتُ بنظراتي بعيداً عنها، وعندما حاذيتها تماماً، تَبعني شذا عطرها الطفولي النذلْ. كنتُ متمدداً في سريري المتواضع في غرفتي وبكامل ثيابي، فيما أخذتْ عيناي تتابعان المروحة في دورانها البطىء والجالب للنعاس، أخذتُ استعيد في ذهني حوادث اليوم الذي مضى أغلبه ،تَوقفّتْ عند ذاتَ الضفيرة الشقراء، إبتسامتها الماكرة، بياض بشرتها، ثم طريقة وقوفها في أعلى السلّمْ، بذلك الإنحناء العذبْ لجسدها الطفولي الذي كان يخطو خطوات واثقة صوب النضوج. صباحاً بَكرّتُ في النهوض،إغتسلتْ، ومَشطّتُ شعري، فَكرّتُ مع نفسي بإن تناول الفطور في الخارج سيكون أمراً لطيفاً، لذا َنظرتُ بسخرية لأبريق الشاي الذي امتلأ بالخيبة فيما كنتُ أسير من أمامه مترنماً بلحن خفيف لفيروز. عندما أغلقتُ الباب وإستدرتُ بجسدي كان ثمة مفاجأة طفولية لعينة تنتظرني هناك، يارب السماء! ستقتلني هذه الصبية الشقراء حتماً! كانت في طريقها للصعود وهي تنوء بحملها َتحتَ ثِقل الأكياس المتعددة، أدركتُ بأنها قد َبكّرتْ في الذهاب للمول القريبْ، وَضعتْ الأكياس حالما رأتني وتَنهّدتْ وهي تَنفخ بقوة في وجهي مباشرة، لكنها إبتسمتْ مع ذلك، رَمشتُ بعينيَّ عدة مرات، كانتْ ابتسامتها صافية هذه المرة، قلت :
-هل تريدين مساعدة؟ دعيني أحمل عَنكِ بعضاً من هذه الأكياس.
-لا ليستْ ثقيلة، إنها درجات السلّمْ، ُتشعرني بالغيظ فهي كثيرة.
أخذت أراقبُ حركاتها فيما كانتْ تَتحدّثْ بصوت موسيقي حلو َغلبَ عليه الغضب الطفولي المعتاد، كنتُ ذائباً تماماً وإذا بصوتٍ يناديها من الأعلى، كانت أمها على الأرجحْ، قَطبتْ حاجبيها وَهزّتْ كتفيها ثم عادتْ لحمل الأكياس، رحنا نحدّق ببعضنا للحظات، هالني جمال عينيها العسليتين، حاولتُ قول شيء ، أي شيء ، لكن الكلمات ماتتْ على لساني، تَحرّكتْ بقدميها للأعلى فيما َظلّتْ أقدامي ُمسَمّرة في درجة السلّمْ، سمعتها تقف على بعد خطوات، رَفعتُ بصري للأعلى،هَمستْ لي بصوتها الطفولي:
-عمو كن حذراً وأنت تَهبطُ درجات السلّمْ هذا.
ثم غمزت بعينها بطريقة طفولية قبل أن تختفي.
للحظاتٍ طويلة بَقيتْ عيناي معلقّتانْ في المكان الذي كانتْ الصبية الشقراء تقف عنده، كانتْ الدهشة قد عَلتْ ملامح وجهي تماماً، لا أعرف كيف َهبطتُ الدرجات اللعينة هذه، كنت مذهولاً عن كل شيء من حولي، وقد هوت ذراعاي إلى جانبي، أما في رأسي الفارغ هذا، فلم يكن يرنُّ فيه سوى كلمة واحدة هي ، عمو، عمو!!. (تمت)
بقلم /رعد الإمارة /العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق