لا مكان للذاكرة
إلا عينيكِ وأنا يا حبيبتي
هربت من كل شيء
قيدني
وقيد عمري
وإن كان بيدي
إلا عينيكِ مصحف
وآيات ومعجزات تتسعان لكل الجبال
والأوطان وذاكرة الذكريات
وأنا منذ عهد أبي بي
تعلمت الكر والفر
وما علمني
كيف أهرب من نار الصحاري
ووحشة المحطات
والأرصفة
الجاثمة عليها القناديل
بلا ذكريات
ومن كل جرح
كاد أن يجعلني
مثل الذين في عربات القطار
يحدقون بوجوه بعضهم
ويتساءلون متى الوصول
فأنا لست جرحا
تنام فيه آلاف من السنين والأوطان
والجثث المتحللة
تحت سماء غائمة وأرض باردة
يزورها شتاء بلا مطر
أنا يا حبيبتي تعلمت كل شيء
وهربت من كل شيء قيدني
وإن كان بيدي
الآن أن أهرب من الشتاء البارد
والقناديل الجاثمة على جوانب الطرق
بلا حياة
كأنها لا ترسل إلى المحطات
وأبواب المدن
لكنها عينيكِ
بعد سنين القتال والكر والفر
والهرب والعودة
علمتني ما معنى أن يكون الأسير
أسيراً برغبته
وينسى الرحيل والذكريات
وتصبح عينيكِ كل ذاكرة
وكيف لا
وكأنها كل معجزة
كأنها مصحف
وقدرة الله على الجمال
كيف تتسع عينيكِ
لكل الجبال
والمدن
والقارات
والمحطات
فالجبال جبال حينما تستدعيها ذاكرة عينيكِ
وإلا فالجبال ليست جبالا
دون ذاكرة عينين
مثل مصحف وآيات ومعجزات
رب
لا رب قبله
ولا بعده
وإلا فإن عابني الناس
يأتي زمان تنسى أرواحها في وديان
لا سهل ولا جبل
بعدها
وإلا فانظري إلى وجهكِ وعينيكِ
وستعلمين
بأني أحبكِ
وستجدين لي آلاف الأعذار
والأعذار
وستعلمين كل شيء
عن الله والأقدار
كيف تتقابل القلوب بلا كلمات
وتصبح عينيكِ
موطن الذاكرة والذكريات
وستحبيني إلى الممات.
الديوان لقاء مع الشاعرة فدوى طوقان.
القصيدة: عينين كأنهما مصحف.
للشاعر:
قدري المصلح.
الصورة تعبيرية للقصيدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق