الأربعاء، 1 سبتمبر 2021

مقالة تحت عنوان{{الشدائد}} بقلم الكاتب المغربي القدير الاستاذ {{أسامة السملالي}}


الشدائد تجعل ما في دواخل القلب، يَصعَد ليطفو على السطح  
تُخرِجُ ما بداخل أعماقنا، ما كنا على استعداد مسبق لفعله

متلا ، إن ابتُليت بأن مُورِسَ عليك الظلم من قِبَلِ الأخرين

فإنه إما أن يجعل منك ذلك البلاء، شخصا أكتر قُوَّة لتدفع عن نفسك الظلم ، ويُلَيِّنَ قلبك أكتر ، إن سلكت اتجاه التسامح الصعب-إن قُدِّمَ لك الاعتذار طبعا- ، عن طريق الصبر وتَحَمُّل العدل الشاق ، ويسلُكه فقط ذوي المنسوب الأخلاقي العالي 

وإما أن يُفسد أخلاقك مع التقادم ، إن سلكت الإتجاه الأسهل، إتجاه الحقد ، عن طريق الانسياق للضعف ، ويسلكه فقط الضعفاء الذين كانوا على استعداد مُسبق بأن يصبحوا أشخاص لاأخلاقيين بشكل أكتر حدة

الحقد، هو كألة هدامة يُفسد أخلاق الشخص ، والضعف وَقوده ومُحركه 
الانسياق خلف اتجاه الحقد، طريق سهل لايحتاج منك قوة لاتباعه ، بل يحتاج منك فقط ان تَنساق خَلفه وألاَّ تُقاومه 
بينما سَلك الاتجاه المعاكس ، -اي التسامح- هو من يحتاج منك بَدلَ المجهود المُرهق الشاق لاتباعه ، ويسلُكه فقط الأشخاص الأقوياء الأخلاقيين، الذين يَسعون جاهِدا للحفاظ على أخلاقهم الفطرية الطيبة السليمة  

الحقد يَجعل مَن اتَّبَعَه شخصا يَجِدُ صعوبة في رُؤية الجانب الطيب مِنَ الأخرين ،
بينما في المُقابل، يجعلُه يُركز فقط على الجانب المظلم فيهم وبشكل تلقائي ، مما يَجعلُه مع التقادم، يَسعى لإيذاء الأخرين

الشدائد تَجعلُ ما بدواخلنا أكتر شِدَّة 
فإما أن تَجعلَ مِنك أكتر خُلُقّا إن كنت شخصا لا يتنازل عن أخلاقه مهما حدت
وإما أن تَجعل مِنك أكتر خُبتا إن كنت مُسبقا شخصا خبيتا غير مُكترت بِالأخلاق 

الشخص الخلوق حينما يَتعرَّض للظلم، يُصبح تلقائيا شخصا يَكْرَهُ وبشدة أن يُمَارَسَ الظُّلم على الأخرين ، ويتمنى ويسعى بطيبة لإحقاق العدل ، كيلا يُقَاسِي الأخرون مَاقَاسَاه هو ، 
بينما الشخص الاَّأخلاقي حينما يَتعرض للظلم ،يُصبح بسبب الحقد ، يتمنى أن يَتَجَرَّعَ الأخرون -ومنهم حتى الأبرياء - من نفس الكأس الذي سُقٍيَ مِنه -مرارة الظلم-

الشدائد تُعطي للشخص الخبيت ، مُبرر يُقدمه لنفسه، لِفعل الأمور الاأخلاقية التي كان على استعداد مُسبَق لِفعلها 
كَالعَاهِرَة التي تُبَرِّرُ سَلكَها لِطريق الفاحشة ، بِالفقر 

كلما جَاهَدَ الشخص وَحَارَبَ ضُعفَه ،كُلَّمَا أَصبحَ أكترَ قُوَّة 
وكذلك الأمر إن جَاهَدَ نَفسَه ليُبقِى على أخلاقه الفِطرية بِالتَّسَامُح ، فَالأخلاق تُصقَلُ وَتقوى فقط بجهاد النفس

الصبر والتسامح، هما الكَفَّين اللذان تستطيع بِواسطتِهِمَا فقط ، أن تَغْتَرِفَ لِتَسقِيَ نفسك من ماء الشَّدائد النَّافع
والضعف والحِقد ، يَجعلان من ماء الشدائد فيضان، يُغرِقان صَاحِبَهُمَا فيه

*********************************

روى الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط " .

قال تعالى: (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون) البقرة ،

عن محمد بن خالد عن أبيه عن جده وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله يقول ” إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل ابتلاه الله في جسده أو ماله أو في ولده ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل ” رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى والطبراني.

عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال ” ما لك تزفزفين قالت الحمى لا بارك الله فيها فقال لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ” رواه مسلم .

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الرياح تفيئه ولا يزال المؤمن يصيبه بلاء, ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد ” رواه ومسلم . الأرز هي شجرة الصنوبر وقيل شجرة الصنوبر الذكر خاصة وقيل شجرة العرعر. 

- يا رسولَ اللهِ ! أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً ؟ قال : الأنبياءُ ، ثم الصالحون ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه ، فإن كان في دِينِه صلابةٌ ، زِيدَ في بلائِه ، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ، خُفِّفَ عنه ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ
الراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : الألباني

********************************

عن جابر رضي الله عنه قال: (( «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه، ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا» )). قال المنذري: الضغائن: هي الأحقاد رواه الطبراني . 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (( «كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تعارَّ –تقلَّب على فراشه- ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك. وفي رواية البزار- سمى الرجل المبهم سعدًا- وقال في آخره: فقال سعد: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي؛ إلا أني لم أبت ضاغنًا على مسلم. أو كلمة نحوها» )) رواه أحمد والنسائي وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح



بقلم : أسامة السملالي✍️ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق