الجمعة، 29 أكتوبر 2021

قصة قصيرة تحت عنوان {{حتى النوارس تغرق}} بقلم الكاتب القاصّ العراقي القدير الأستاذ{{جاسم الشهواني}}


حتى النوارس تغرق

في يوم تموزي حار .. ؟
قررت الهروب من جحيمه لنهر دجلة لأشعر بالإنتعاش ، كان دجلة صديق الطفولة ، لم يغدر بي يومآ ، وكثيرآ
ماحملني فوق سطحه بود ، لا أتذكر
أنني خفت منه بيوم من الأيام .. 
كانت الشمس عامودية ، وحرارتها 
مركزة لاتطاق ، لم أفكر طويلآ ولم
أتردد بالقفز فيه ، هو صديقي القديم
وليس من المعقول انه لم يعد يتذكرني
كانت الضفة تعج بالشباب ، والفتية 
يلعبون ويلهون عند ضفته .. 
كان عشقي لدجلة أكبر من مخاوفي
ووسوسة الشيطان لي .. ؟
نعم أنا رجل تقدم في السن ولياقتي
البدنية ليست على مايرام .. 
لكن عشقي له كان كبير جدآ ، وشغفي
للسباحة والتخلص من الحرارة كان أكبر
إبتعدت عن الضفة ، والتيار بدأ يسحبني
للأبعد والأعمق والأسرع .. ؟
شعرت بخدر بذراعي ، وساقي الأيمن بدأ
بالتشنج ، حاولت الصراخ لكنني لم أتمكن
أنا هالك لامحالة ، لكن تعلقي بخيط الحياة كان يدفعني للمقاومة .. 
بدأ الموج يعلو فوق رأسي ، تارة يسحبني
وأخرى يرفعني ، عيناي شاخصتان والروح تبحث عن تلك القشة والمنقذ .. ؟
جن جنون النهر ، أنا بداخله الآن ، لكني 
مازلت متمسكآ بالحياة بقوة .. 
وفجأة ظهر أمام عيني الخائفتين نورس
كان النهر قد إبتلعه ، هنا تأكدت بأن لافرصة لي بالنجاة ، حتى النوارس التي
خلقها الله لتطفوا فوق السطح تغرق .. ؟
إستسلمت للنهر ورضيت بالقاع مثوى .. 
زال خوفي بعد تأصل قناعتي بالهلاك
عيناي كانت مغمضتان ، لكني أشعر بإندفاعي مع التيار للمجهول .. ؟
شعرت بشيء يلمس جسدي بود ولطف
وكأن يد عزيز مشتاقة لي ..
حركت بداخلي تلك اللمسة شعور غريب كان شعور بالرضا والأمان ، فتحت عيني
وإذا بوجوه أظنني أعرفها تحيط بي .. ؟
رجال ونساء وأطفال وشباب يقتربون مني ليسألوني عن أهل الدنيا .. ؟
عقد لساني وعجزت عن الكلام .. ؟
أنا عالق بين عالمين مختلفين .. ؟
روحي مازالت لم تفارق جسدي .. 
وتلك الأرواح التي تسكن القاع تلح بي
بالسؤال عن أحبابهم .. ؟
قلب التيار جسدي تارة أرى نور الشمس ليس ببعيد عني ، وتارة أرى القاع وسكانه يلوحون لي ، ذلك النورس مازال بقربي
يندفع معي ، والنهر لم يحسم الأمر بعد
هل هو مهلكي أم إنه سيلقي بجسدي على ضفته لأكمل ماتبقى لي .. ؟
لم تحد عينان عن ذلك النورس الذي بات رفيق دربي ومؤنسي ، بت مقتنعآ بأن الأمر
قد حسم ، والنهاية قاب قوسين وأدنى
تحركت جناحيه وفتح عيونه .. ؟
وصعد بإتجاه السطح وسحبني معه لألتقط آنفاسي قبل ان تزهق .. 
يد من ظهر الغيب على حين غرة إندفعت بإتجاهي لترفعني .. ؟
أنا بقلب زورق خشبي بعد ان إنتشلني صياد دله النورس علي فأنقذني .. 
لاحياة مع اليأس ولايأس مع الحياة 
ذلك النورس كان أشجع مني ، وأكثر تمسكآ بالحياة .. 
حلق فوقي وهز برأسه ورحل بعيدآ ليدخل قرص الشمس الملتهبي .. 
نظرت للنهر ولقرص الشمس ولكل الوجوه التي كانت تحيط بي .. ؟
وقلت لنفسي .. ؟
لاتأمن جانب أحد أبدا .. 
ولاتفقد الأمل مادام فوق رب كان على جبينك قد كتب .. 
ودعت النهر بإبتسامة بعد ان قال لي .. ؟
لاتغضب مني ياصديقي الذنب ليس ذنبي
أنت لم يعد لك قبل بالعوم بمائي ..
لم أكن يومآ خوان أبدا ..
لاتغامر قبل ان تكن من نفسك واثقا ..
عش حياتك ولاتخشى أحدا ..
ماكتب باللوح المحفوظ لن يغيره أحدا ..
شعرت بالرضا وحملت ملابسي بيدي
وسلكت دربي لأكمل مسيرتي .. 

                                   جاسم الشهواني 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق