الجمعة، 11 فبراير 2022

قصة قصيرة تحت عنوان{{حقيبة سفر}} بقلم الكاتب القاصّ العراقي القدير الأستاذ{{حيدر الدحام}}


 حقيبة سفر


رفع حقيبته من الأرض ، حضنها بقوة وضمها الى صدره ، صافرة القطار تعلن بدأ الرحلة ، تأمل المكان بنظرة حزينة كأنه يودعه دون رجعة !!
صعد إلى القطار  ، وألتفت إلى المودعين ملوحًا بيده رغم عدم معرفته لأي منهم !!
ألقى بجسده النحيل على مقعد يجاور الشباك ، تحسس حقيبته دون أن يفرط بها ولم يضعها في المكان المخصص للحقائب لتبقى لصيقة قرب قلبه يجمعهما نبض واحد .
صوت صرير عجلات القطار فوق السكة هيج مشاعره الدفينة لينفجر بالبكاء ، كفكف دمعه ، كتم أنينه ، واستجمع شجاعته التي طالما خانته في مثل هكذا مواقف .
فتح سحاب حقيبته ليخرج منها شالا ( فوطة ) لوالدته ، قبله ، مسح به وجهه ، شم عطره ، فاغمي عليه ..
كانت الرحلة شاقة وطويلة ، مضى منها أربع ساعات ، ربت على كتفه احد المسافرين :
- آسف لازعاجك ، أعتقد انك نمت بما فيه الكفاية ، لقد وصلنا المحطة الرابعة ، هل ترغب في النزول للاستراحة ؟ 
- شكرا سيدي ، سألحق بك .
فرك عينيه ، جال بنظره حول المكان محاولًا اكتشافه ، نزل متأبطًا حقيبته ، جلس على طاولة مفردة في زاوية أحد المطاعم ، حاول أن يأكل ، تذكر أمه وبيته ، فقد الشهية ،  فدفع الطعام جانبًا  
- ما الذي يحدث معي ؟ هل أن كل من يسافر يحصل معه هكذا ؟! 
نهض مسرعًا ، وقف على تلة صغيرة قرب المكان تغطيها أشجار الزيتون والرمان ، سحب نفسًا عميقًا من الهواء النقي الذي لم يعتده سابقًا ، صوب نظره الى السماء قائلًا :
- الهي ، ألهمني الصبر والتدبير ، مللت الحياة ، كرهت كل شيء ، قررت الرحيل ، لكن حضن أمي يناديني وصورتها لا تفارقني ، وما عدت أحسن الاختيار .
ذهب خياله بعيدًا حيث طفولته ومرضه وما عانته والدته من الم وسهر لحين  شفائه ، سهرها معه  أوقات الدراسة وتوفير  الأجواء المثالية للنجاح ، خوفها عليه أيام الحرب ولهفتها عليه لحين عودته سالمًا . 
- ما أتعسني بفراقها .. ها أنا أعدد فضائلها ، وقد جعل الله الجنة تحت أقدامها ؟!
رجع الى المحطة ، بحث عن قطاره ، فإذا به قد تركه وغادر  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق