للياسمين عيون تبكي
رسام خمسيني ضاق ذرعاً بالعيش بتلك المدينة المزدحمة . اشتاقت ريشته للألون وللورق بعد طول هجر انامل صاحبها . قرر الذهاب للريف ، هناك الحياة أكثر بساطة وهدوء . بالفعل ترك المدينة كان يقود سيارته ببطء شديد ليستمتع بالنظر للحقول الخضراء على مد البصر
تنفس بعمق ، شعر بالإرتياح . رأى تلة صغيرة أوقف سيارته قربها . صعد للاعلى ، ليمتع ناظريه بذلك المنظر الرائع كل ماحوله بكر ، نظر للجهة اليمنى ، كانت هناك قطعة بيضاء بقلب بحر أخضر اللون مترامي الأطراف ، الياسمين ؟
نعم هو الياسمين .. وكأنه زبد بحر يطفوا على سطحه . شد إنتباه الرسام ياسمينة منحنية على الأرض وبقربها ياسمينة أخرى مقطوعة الساق مية ، كانت مميزة جداً . لم يتمالك نفسه نزل مسرعاً بتجاهها . سبب إنحنائها كسر ساقها الذي
يحمل تاجها الابيض ، لكنها كانت متشبثة بالحياة من خلال جزء بسيط مازال يوصلها بجذورها ، ويحيط بالياسمينة المية والمكسورة ثلاث زهرات يافعات وكأنهم يبكون بحرقة ؟
جبر كسرها بعد ان أقام عودها بعود صغير كجبيرة وثبتها بخيط لتعود وتنتصب
كأميرة مجروحة . بعد ان أستقامت تساقطت قطرات ندى الصباح من أوراق كالدموع !
نظر بتركيز اليها باحثاً عن عيون تبكي ، نعم كان واثقاً من ذلك !
لتلك الياسمينة عيون تبكي وبحرقة كبيرة
صعد لتلته ، بدأ برسم لوحة الياسمين
لكنه رسم جسد إمرأة ، والوجه تاج زهرة الياسمين ؟
شعر بالتعب ، إستلقى على الارض على ظهره ، نظر للسماء فغفى .
رأى بالمنام صاحبة اللوحة !
سيدة الياسمين ومعها ثلاث فتيات يافعات وجوههن تيجان ياسمين يبكون عند قبر مفتوح ؟
نظر لداخل القبر ؟
وجد الياسمينة الميتة مسجات بداخله !
وحول القبر والسيدة والفتيات دبابير حاقدة وألف ياسمينة ذو أنياب عطشة !
سأل سيدة الياسمين عن كل مايجري
فأجابته ؟
القبر لزوجي .. والفتيات الثلاث بناتي
والدبابير وجمع الياسمين ذات الأنياب
هم الطامعون بي بعد وفاته !
حاولت الإنتحار لأنهي عذاباتي بعد رحيله
لكنني تذكرت بناتي فتشبثت بآخر جزء يمدني بالحياة لأبقى معهم .
الكل ينظر لي وكأنني لقمة سائغة . هناك من يتودد والأخر يتحرش . لم اكن أعرف قدر زوجي ، كان صمام الأمان ، وحزام الظهر ، واليد القوية التي تلطم وبقوة وجه كل من حاول الإقتراب منا .
لكن للأقدار حكم وكلمة . فكان ماكان ليتركنا بغابة من وحوش بيضاء اللون عطرة الرائحة بريئة الملامح . لكنهم في الحقيقة آكلي لحوم شرهة ؟
صدقني قبل ان أفكر بالإنتحار عانيت كثيراً . كنت أبكي كل ليلة بصمت . لكي أحافظ على صورتي القوية بعيون بناتي
بعد ان أصبحت لهم الام والاب . خشيت ان أظهر ضعفي أمامهم لكي أشعرهم بالأمان . لكني تعبت ولم أعد أحتمل أكثر بعد ان كسرت ساقي ندمت لأنهم باتوا أيتام الأب والأم . لكن الأقدار كانت بنا رحيمة . أرسلتك لتجبر كسري .
أرجوك ياسيدي .. لاتتخلى عنا . شعرت معك بالأمان ، وكأنك ملاك رحمة أرسلته لنا السماء ليكون لنا ميناء سلام .
إبتسم الرسام وهز برأسه ، صمت لبرهة ثم قال ؟
لايمكنني البقاء لفترة طويلة ، في نهاية المطاف لابد لي من الرحيل . أنت ياسمينة جميلة ، وأنا رجل كبير . سيجبر كسرك ويقوى عودك ، وستبتسم لك الحياة مجدداً . وكل هؤلاء الذين ينظرون لك بنظرة خبث وطمع ؟
هم أقزام جبناء لاوزن لهم ولاقيمة . سينصرك الجبار عليهم . إحتسبي الله ستجديه تجاهك . إبتسمت وتحولت هي وبناتها لدخان حملتهم معها هبة نسيم عابرة . إستيقظ الرسام مذعور . ما هذا الحلم ؟
نظر للياسمينة ، كانت هي وبناتها الأنصع والأعطر والأكثر شموخ . أطال النظر اليها
شعر بأنها تشكره . عاد للوحته ليكمل مابدأ
عند الغروب أكمل اللوحة . نظر لحقل الياسمين كان الكل نائم بسعادة ورضا إلا الياسمينة كانت مستيقظة . وكانها تريد توديع الرسام . وضع كل شيء بداخل السيارة ، وقبل الرحيل ، نظر اليها إنحنت له إنحناءة إمتنان ، بادلها الانحناء بعدها ركب سيارته ليعود لمدينته .
تمت
جاسم الشهواني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق