الجمعة، 10 يونيو 2022

قصة قصيرة تحت عنوان{{حكمة أرملة}} بقلم الكاتب القاصّ العراقي القدير الأستاذ{{حيدر الدحام}}


حكمة أرملة 

أشعلت الحطب ووضعت عليه القدر المليء بالماء والملح ، عيون أطفالها الأربعة تترقب نضوج الحساء بعد يومٍ كاملٍ من الجوع ، فرشت لهم قرب موقد النار محاولة إلهائهم لحين تسلل النوم لعيونهم البريئة . 
- أمي !! متى تسكبين لنا الطعام ؟
أشرقت الشمس لتمنحهم الدفء بعد ليلة باردة غطت خلالها اجسامهم النحيلة بلحافها الوحيد ، لتبقى وحيدة تواجه البرد وأحزانها التي بدأت منذُ فقدها لزوجها قبل ستة أشهر ، وغياب اخوتها وعدم تفقدها لتجد نفسها بلا معيل .
فكرت بحل يحفظ ماء وجهها ، حملت أوراقها متوجهة لمعمل الخياطة القريب من منزلها ، بعد أن أودعت صغارها عند جارتها المقربة .
استلم الموظف المختص بياناتها وعيونه لا تفارق محاسنها وقوامها الممشوق ، فجمالها الثلاثيني لا تخفيه آثار الجوع والعوز .
- اوراقك تحتاج لمراجعات كثيرة ، ولم تحصلي على شهادة جامعية .
- ارجوك ، اعيل أيتام وأحتاج للعمل .
- قد اسهل عليك الأمر ، لكن عليك جلب أوراقك مساءً على هذا العنوان !!
رجعت منكسرة ودموعها تتساقط من عينيها ، شعرت بالتعب ، جلست على رصيف الشارع لتستريح ، تقدم أحد المارة ووضع بيدها بعض النقود .
- عفوًا أخي !! لست شحاذة .
لكنه أكمل طريقة ولم يلتفت اليها .
نهضت مسرعة كي لا يتكرر الموقف ثانية ، رجعت لصغارها ومعها القليل من الطعام .
مرت الساعات ثقيلة ، الليل قاسً ويثير المواجع ، نظرت للسماء بعيون باكية ، وتوجهت بالدعاء أن يرحمها الله وأطفالها .
طُرق الباب ، لتجد الحاج سعيد وهو من أعيان البلد وتجارها  ، وقد حمل معه الكثير من الأكياس الممتلئة ، شكرته لمعرفتها بسمعته الطيبة .
- لا أطيل عليك ، ارغب الزواج منك ، وتعرفين حالتي المادية جيدًا ، لكن زوجتي حادة الطباع ، لذا أرجو أن يكون الأمر سريًا ، أما الأطفال سأتكفل بمعيشتهم بشرط بقائهم عند أهلك .
تفاجأت بالعرض ، رغم انه مغرٍ وسينقذها من العوز والفاقة ، لكنها وضعت مصلحة أولادها نصب عينيها .
- شكرًا حاج ، أنت رجل محترم ، لكني لا أفكر بالزواج ، سأكرس حياتي لسعادة أولادي .
شعرت أن الجميع يريد نهش جسدها ، فلا أحد يقدم الخير لوجه الله تعالى .
استجمعت شجاعتها ورتبت أفكارها ،  تربيتها لأولادها الأيتام وخبرتها بتوفير الراحة والسعادة لهم ، جعلها تفكر بتحويل بيتها لحضانة أطفال تقدم خدماتها  لجيرانها من أصحاب العمل .

انتشر الخبر سريعًا ، وقدموا لها المساعدة لنجاحه ، ليكون المشروع الأجمل والأبرز في المدينة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق