قصة بعنوان
( حب بخريف العمر )
رجل تلاعبت بمقدراته ريح الخريف . هزت أغصانه بقوة لتعريها . تساقطت كل اوراقه إلا القليل منها صدمت أمامها . رغم ضعفه وهوانه . مازالت جذوره متمسكة بتربتها . أرخى الليل سدوله . كانت ليلة ليلاء . كل ماحوله قاتم اللون . ومن تلك الظلمة بعث ضياء من العدم . وكأنه نجوم تسير بإتجاهه
سيدة تقترب من عقدها السادس
حاسرة الرأس شعرها أشيب .
كان الرجل يجلس على كرسيه قرب باب منزله . يدخن سيجارة . والسيدة من سكنة الحي ذاته
ألقت عليه بتحية المساء ، ردها بأحسن منها . سيدة تعيش لوحدها بعد أن فرقت الدنيا أحبابها . هي مقعدة بسبب حادث سير كانت قد تعرضت له . بعد أن رد التحية نظرت إليه نظرة طويلة من دون ان تتكلم . ورحت من غير وداع . تلك النظرة شغلت ذلك الأشيب . تكرر الأمر عدة مرات لكن مع إبتسامة ونظرة فيها الكثير من الكلام الذي لم تتفوه به الأفواه . وفي أحد الأيام قرر الذهاب للتسوق من السوق القريب من حيهم . وعند بلوغه الشارع الرئيسي ؟
كانت السيدة التي تجلس على المقعد المتحرك تروم قطعه لكنها تخشى ذلك لمرور السيارات بسرعة كبيرة . من دون أي كلام وجدت المقعد المدولب يتحرك للأمام .
إلتفتت للخلف لترى من يحرك مقعدها . هو ذاته الجار الستيني يقوم بدفعها . إبتسمت ثم أدارت رأسها للأمام . شعرت بالسعادة والرضا . بعد ان إنتهوا من التسوق أعادها لبيتها الكبير المظلم على الدوام ثم تركها عند الباب ورحل
قالت له هل لي بطلب ؟
تفضلي .
هلا أعطيتني رقم جوالك لأتصل بك كلما إحتجت للمساعدة .
على الرحب والسعة ياسيدتي .
تبادلا أرقام الجوال ، عاد بعدها لبيته حاملاً مشترياته التي كان قد وضعهم على ساقيها . تكرر الأمر عدة مرات ، كسرت أغلب الحواجز فيما بينهما . وفي احدى الليالي لم يتمكن من النوم ؟
كان يفكر بتلك السيدة . ما أقلقه تحذير أحد الجيران للستيني من عدم الإقتراب من تلك السيدة ؟
الكل يخاف منها ، لأنها غامضة وبيتها الكبير مظلم ومرعب جداً
وملامحها القاسية ، كانت تنفر الآخرين منها . وطريقة كلامها وألفاظها الخشنة سبب ذلك الإبتعاد . لكن ذلك الستيني كان يراها مختلفة . قد يكون ينظر بعيون قلبه . بعد عدة أيام إتصلت به ليساعدها بأمور المنزل . طرق الباب ففتحت له ورحبت به وشكرته مقدماً لتلبيته لطلبها . فعل كل ما طلبت منه . وعندما إنتهى من ما كلفته فيه . أراد الرحيل لكنها إستوقفته ليشرب معها فنجان قهوة كانت قد أعدته بنفسها . بعد ان شرب فنجانه ، نظر إليها وقال ؟
الكل يبتعد عنك إلا أنا . الكل يخاف الإقتراب منك إلا أنا . وحذروني منك واقتربت . هم لاينظرون لجوهرك ؟
أنا الوحيد الذي غاص عميقاً بداخلك . أود أن أخبرك بسر ؟
تفضل .. أنا كلي آذان صاغية
أشكرك .. انا أكره اللف والدوران
وأعشق الوضوح .
بصراحة ؟
أنا أحبك .. وأريد الزواج بك
إغرورقت عيونها بالدمع وسالت على خديها . بكت بحرقة كبيرة
ثم تنهدت بعمق كبير لتخرج زفيراً
ملء فضاء البيت المظلم . بتراكمات الدهر والآهات .
قالت .. أخيراً أنصفتني يادهر ؟
كفكف دموعها بيده وقال ؟
مشكلتنا نحن نتعامل مع الساق والأغضان ولاننظر للجذور . لاننظر للجوهر و للمضمون . لذلك عندما تهب ريح الخريف تتساقط أوراقنا ونتعرى بكل سهولة .
صدقيني .. كنت أنظر للخريف بنظرة كراهية ؟
طوال عمري كنت أعتبره فصل الموت . وعندما عرفتك وتأصل حبك بداخلي أيقنت بأنه فصل التجديد . فصل التهيئة لحياة جديدة . ليحل بعده الشتاء بكل مافيه من خير . لتزهر الأرض بفصل الربيع . ونحصد كل مازرعنا في الصيف . وكأن للخريف كتفين يهزهما لينثر كل ماعلق على معطفنا من غبار الدهر . حبي لك ياسيدتي حب روح لاحب جسد . وحب الروح للروح أطول آمداً وأكثر ركوز . الحب شعور نبيل وآحاسيس لطيفة وراقية . ويتوج كل هذا إلتقاء الأجساد . أنا أحببت روحك . ومن عشق الروح عشق كل شيء .
صدقاً اقولها وعن يقين . أنا أحبك ياسيدتي . فهلا قبلت بالزواج مني .
نعم .. قبلت
وإبتسمت بسعادة ممزوجة بالدموع . إحتظنها وهمس بأذنها سأكون لك كل شيء .
( حب بخريف العمر )
تمت
الكاتب
جاسم الشهواني
العراق
5 / 9 / 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق