(في عتمة الحافلة)
سلسلة قصصية
"الموسم الرابع"
٢٠٢٣
--------------------------------------------------------
-١-
لقاء
كثير ما يحدث أن أعد نفسي لرحلتي الجديدة إلى مدينة العقبة لامضاء بعض عطلتي السنوية هناك.
وبالفعل أذهب؛ لكن وبعد امضاء أربعة ساعات ونصف الساعة في الحافلة ،وما أن أرى أشجار النخيل والشوارع ،حتى أشعر بالضيق ،وأسأل نفسي دائما السؤال المكرر؛ "لماذا حضرت إلى هنا ..ولماذا لم أمضي إجازتي في عمان ،وفي منزلي ؟"
بعد ذلك ، وما أن أرى الوجوه المنفرة هناك حتى أشعر بالاشمئزاز ..والضيق ..والرغبة في العودة.
لعلني أردت فقط الذهاب كما يفعل غيري من سكان عمان ،وقولهم المكرر :"أين تريد قضاء عطلتك السنوية هذا العام؟"
كما وأنه فرض علينا!! ،بربكم ماهذا العبث .
ولماذا أمضي إجازتي في مكان ما !؟
ولماذا نفرض على أنفسنا رؤية وجوه لانحبها..ولا نرغب في رؤيتها.
وماذا يوجد في العقبة غير ذلك المنفذ الصغير على البحر المسمى "خليج"،والذي أغلبه مستثمر للتجار الدشعين أو لفنادق الأثرياء والقهاوي.
ففي عمان وبعد أشهر من العمل المرهق، أشتاق لنفسي ،للاختلاء بها.
أن أقف ولو للحظة أمام المرآة كي أنظر إلى نفسي، وأن أر تقاسيم وجهي ،وأن أحدث نفسي ،فأن نفسي أحق بكثير للاهتمام من النظر إلى الأخرين هناك :"بالطبع أنا أقصد أقاربي اللذين يقطنون هناك والذين هم أشبه بتجمع للذباب ؛ومنهم أيضا صحبة السوء".
لماذا أعد نفسي كما وأني في حفل زفاف ،بحيث أرتدي أجمل الثياب، وحذاء جديد ،وأتأنق وآخذ معي عطري وفرشاة، أسناني ومشطي ،وجميع مستلزماتي لأذهب إلى أخرين للجلوس معهم ،
أليس ذاتي أحق بذلك كله.
ففي منزلي توجد غيتارتي، وكتبي ،وأوراقي. أتصفح دفاتري القديمة ،وأوراقي الجديدة، وأتفرج على صوري في البوماتي القديمة والجديدة.
واستخرج مقتنياتي النادرة وأفردها أمامي ، وأما في أوقات فراغي؛فأنا اجلس مع نفسي ..أحدثها ..فأن نفسي خير رفيق لي ،وخير جليس ،بالطبع بعد الكتاب، بل قبله.
* * * * * * * * * * *
يتكرر الأمر مثل كل عام ،أصل إلى شركة الحافلات ..أصعد..أتخذ مقعدي إلى جانب النافذة كي أطل منها طوال الرحلة .
وفي الحقيقة أن أجمل مافي الرحلة هي الحافلة،الحافلة فقط ؛الجلوس في الحافلة وسيرها بي دون توقف،ودون أن أصل إلى ماتسمى "العقبة" الشبه خليج ،والشبه بحر .
أتمنى أن أر شيء جديد في حياتي ،ووجوه جديدة ..مختلفة..أكثر رقي ..أكثر تحضر ،وجوه تتناسب ونفسي ..تتجاوب مع ذاتي المختلفة عن تلك الوجوه.
لكن ماهو الشيء الجديد،وأين يمكنني أن أجده..أن يمكنني البحث عنه،لست أدري ..آه عذرا ياشاعرنا الرائع إيليا ابو ماضي ؛ أنا لست أدري ..ولست أدري لماذا أتيت أيضا.
* * * * * * * * * * *
لم أنظر إلى الذي حضر للجلوس إلى جانبي ،أو التي حضرت للجلوس إلى جانبي ،كون نظري كان مركزا إلى المجلات والصحف الكثيرة المعروضة في المكتبة المقابلة لي ،فلفت نظري كتاب بعنوان "كيف تكسب الأصدقاء " ههههههههه وهل أريد أصدقاء بعد كل ماقلته ..هل أريد حقا كسب الأصدقاء..ولماذا أكسبهم وقد عانيت منهم ،ومن غدرهم.
هل هم أفضل من نفسي ..أنه مؤلف ساذج ،أو لعله لم يجد فكرة أخرى يكتبها ؛ لماذا وجع القلب .
إنطلقت الحافلة، شعرت بنفس اللذة التي أشعر بها في كل مرة مع حركة الحافلة الضخمة جدا.
ومقاعدها المريحة وإنبعاث نسمات المكيف ،
بدرت مني إلتفاتة سريعة ،لا هي ليست إلتفاتة ..بل هي نصف إلتفاتة ..أو ربع إلتفاتة إلى من يلجس.. أو من تجلس إلى جانبي ،أحيانا تكون النظرة الأولى من الأسفل إلى الأعلى ،ولا أعلم السبب في ذلك، لكنه شيء طبيعي بلا شك؛ قد يكون سببه الريبة أو الحياء. وهذا ماكان ،
وأول مارأيت..أعتقد أني رأيت سيقان عارية .. ثياب بيضاء ..جميعها بيضاء ،بما فيها الحذاء و"الجرابات" مما يبدو أنه زي كامل في نفس اللون .
أما عندما كانت نظرتي السريعة إلى الأعلى لاحظت أنه
لم يكن الشعر طويل ،وكان غير مسرح ،أو هي تسريحته الطبيعية ،الشعر المتماوج أو مايسمه بعض المرضى ساخرين " خواتم".
كان ..أو كانت تنظر إلي باستمرار ،وذلك سبب لي الازعاج والضيق؛ ماذا يوجد في وجهي أو مظهري مايستدعي النظر إلي، هل أقوم بتفقد نفسي باحث عن عيوب!!،لكن ما أعتقده هو أن على شفتيه ..أو شفتيها إبتسامة دائمة.
فتساءلت في نفسي "بدافع الفضول فقط" هل أنظر إليه ..أو إليها ..أم أن لاشأن لي بالآخرين "كما قلت قبل قليل".
لكن كان يوجد شيء في داخلي يحثني على النظر إليه ..أو إليها.
حسنا ..لننسى الأمر.
* * * * * * * * * * *
عدت للنظر من نافذتي متأملا الشوارع والمباني المرتفعة والجسور والمولات في مدينتي الجميلة عمان،
تلك الأماكن كانت أماكن الذكريات التي غير معالمها العمار السريع الناتج عن الاستثمارات لتنتصب فوق ذكرياتي الشركات الضخمة وأبراج ناطحات السحاب ،
أين ذهب الجبل الصخري الأخضر مرتع طفولتي حيث كنت أجري و"أتنطط" ..أين الكثبان.. الحفر.. المغر..الكروم ..البساتين ..الصخور وأشجار التين وكروم العنب وحقول القمح الشاسعة ،لقد تم إستثمار كل زاوية ..كل دخلة..كل منفذ ..كل مجرى هواء .
أين ذكريات الطفولة والمراهقة ،أين جبال عمان وسهولها الخضراء ..أين المباني القديمة ..أين التراث .
أين صديقات الطفولة والمراهقة؛ إيمان..منى ..سهام ..فاديه..منار .أين عبثي..شقاوتي..تجارب طفولتي ومراهقتي.
كل شي إنتهى ،لقد تحولت بلدي إلى شركة ضخمة للإستثمارات
هو تناقض مابين ماأراه، وإزدياد البطالة الفقر اللعين.
جميع المعالم إختفت .
خيل إلي بأنه ..أو أنها قد إقتربت مني كثيرا ،ونظرت في وجهي عن قرب وكادت أن تلامسني ،وهي لاتزال مبتسمة،
ثم عادت أو عاد إلى الوراء واستقام على مقعده ،لماذا لم أنظر إليه بالرغم من الشعور المناقض جدا لأفكاري ،إزدادت خفقات قلبي ..المحب .
أنه شوقي لوجه جديد..لأحاديث جديدة، لشيء جديد؛لحب جديد.
ماذا وأنا سريع التعلق بالوجوه الجميلة، وقد يكون ذلك ماابعدني عن نفسي الأحق بكل شيء جاهدا للبحث عن تلك الوجوه بين الوجوه القبيحة هناك ،أنه تناقض مابين النرجسية وحب الجمال ؛ياترى..هل هي جميلة!؟
حسنا يكفي كلام، ولأنظر نظرة كاملة إليها أو إليه كي تتضح الصورة أمامي، وكي أنتهي من ترددي، وأن أحسم الأمر ؛
وهذا ماكان.
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
٩-٨-٢٠٢٣