الخميس، 29 فبراير 2024

قصة قصيرة تحت عنوان{{وضرب التحية والتزم ..موقف طلابي}} بقلم الكاتبة القاصّة الفلسطينية القديرة الأستاذة{{رنا أبوهولا}}


 وضرب التحية والتزم ..موقف طلابي 

كعادتي في كل حصة .أنتقي البداية لها حسب الواقع الصفي الذي تفرضه عليَّ اللَّحظة.. دخلت الصَّفَّ الحادي عشر.. وأحببت بدايتي أن تبدأ بقراءة صامتة للدرس مع طرح سؤال سريع لهم قبل البداية .. أريد منكم أن تقرؤوا الدرس قراءة صامتة بتمعن،  وبعدها أرى هل القراءة الفردية الصامتة أو حتى منصات التعليم المختلفة ستغنيك عن دور المعلمة ؟ سارع طالب ودَّ أن يصنع جوّا مختلفا.. وبرأس مرفوع ولهجة ثقة كبيرة ..نعم يا معلمة  اليوتيوب يغني .. ارتسمت البسمة محياه ينتظر مني ردا يشفي مراده .... قالها و كأنه نوع من التحدي ،، فالعين الثاقبة التي علاها حاجب حرَّكه بطريقة استفهامية ،لهي دليل على أنه يسعى لإثبات جوابه الذي أسدله على مسامعنا منذ البداية ليقنع الجميع بصحة رأيه..
أجبته على الفور: أحسنت فاليوتيوب يعطيك الفائدة الكبيرة ويمكِّنك من فهم الكثير العسير ،أشرت لحظتها إلى شال أرتديه كنت قد صنعته بيدي وقلت له : أترى هذا الوشاح ؟ لقد تعلمت  حياكته عبر منصة اليوتيوب.. وأكملت حديثي معه :لكن العلاقة بين اليوتيوب والمتلقي علاقة جامدة..لا روح فيها .. يحكمها النت والجهاز الالكتروني فأنت بالفعل تحصل على المعلومة المرادة دون أن تكتسب قيما وأخلاقا.. تعجب قليلا من سرعة الإجابة التي قدمتها مع الدليل والتي تحتم عليه ضرورة المتابعة لفرض منطقه الذي خلقه في بداية الحصة..أجابني على عجل: نحصل على درس القيم والأخلاق من فيديو آخر بوضع العنوان المطلوب في خانة البحث وبذلك نكون قد كسبنا خلقا وقيمة وحققنا هدفا.. لا أخفيكم هو طالب ذكي يجد إجابة حاضرة ليثبت صحة ما يقول .. ظن هذه المرة أيضا كسابقتها أنه سيكسب التحدي الذي فرضه في بداية الحصة ..وأنا كمعلمة كنت سعيدة أن أجد حلقة نقاش أطور فيها مهارات عدة وقيما أكثر. فكثيرا ما كنت ألتقط منهم الإجابة لقطا .. وأما الآن فهو يسابقني بالإجابة .. ويصنع جوا من الفكاهة .. ويُعمل فكره لإثبات وجة نظره…الجو الذي كان سائدا في ذلك الوقت كان جو َّ تحد بيني وبينه.. وجو تحكيم من طلبة الصف الذين تراوحوا في وجهة نظرهم بين مؤيد له في منطقه ومؤيد لي في منطقي .. في كل سؤال كان يسأله كنت أقرأ الوجوه بلمحة خاطفة فيرقص قلبي فرحا بأهداف قد حققتها في وقت قياسي أسعى دائما إلى تحقيقها ..وأبرزها جو النقاش الفكري الذي يسوده احترام الرأي وآداب الحديث..
أجبته مؤيدة له مرةً أُخرى .. نعم صحيح كثيرا ما ألجأ إلى اليوتيوب أو أي منصة يمكن أن تحقق الغرض نفسه وأستمع إلى درس ديني أكتسب من خلاله معرفة جديدة .. لكن من فضلك دعنا نعود للسؤال الذي طرحته في بداية الحصة وهو هل يمكن الاستغناء عن دور المعلم بالقراءة الفردية ومنصات التعليم الالكترونية؟ إجابتك كانت نعم .. وإجابتي أنا كذلك نعم .. اشرأبت أعناق الجميع.. ونظرات الجميع تحولت صوب الطالب .. أردفت حديثي ونقاشي.. ولكن هل تكسبك تلك الطريقة التي أيدتها في بداية اللقاء، وتدافع عنها ..منطقا لغويا يمكنك فيه من تجاذب أطراف الحديث بحيوية وانفعال ؟.. وهل ستتمكن من فهم المادة وكسب قيم أخلاقية ومنطق فكر ولسان وقوة شخصية وثبات وقدرة على اقناع الغير بفترة قياسية كما قمنا بها الآن؟؟.. ناظرت ساعتي التي مضى على بداية الحصة ست دقائق فقط.. وأكملت : أنا في ست دقائق جاذبتك أطراف الحديث.. وأغنيتك بمعجم لغوي أسمعتك إياه من لساني.. وأكسبتك مهارة النقاش ومحاولة اثبات الرأي واحترام الرأي الآخر.. وأعملت فكرك في إسعاف نفسك في إيجاد الإجابة التي تشفي الغليل ..وكلَّفتك بقراءة الدرس التي ستكسب مهارة القراءة والفهم .. وأنا بغضون ست دقائق، حققت هدفا يستغرق الساعات التي كنت ستفقدها في عمليات البحث والتنقيب لتصل إلى جل الأهداف التي حققناها في بداية الحصة ..علت البسمة محيا الجميع .. ورفع يده ملقيا التحية التي أحبها منه ..
والآن لننتقل إلى درسنا الجديد (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك )..
بقلم:رنا أبوهولا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق