الخميس، 31 أكتوبر 2024

نص نثري تحت عنوان{{صفحات-من-عمري}} بقلم الكاتبة التونسية القديرة الأستاذة{{عائشه ساكري}}


 **صفحات-من-عمري**

 
---الحياة ليست سوى سلسلة من اللحظات المتداخلة، تتسارع الأحداث وتطوى السنين وكأنها صفحات تتساقط من كتاب لا يتوقف عن التدوين. وأنا، أسير بين تلك الصفحات، أتأمل عمري الذي يمضي في غمضة عين. كل يوم يبدو لي وكأنني أعيش ولادتي آلاف المرات، وأجتاز خط العمر بخطى مترددة في ذاكرتي. أحيانًا، أتساءل كيف يمكن لكل هذه التفاصيل أن تتداخل، وكيف ألاحق أحداث الماضي وأكتبها على أوراق الذكريات. أجمع بعض الفصول وأترك الأخرى خلفي، وكلما مضيت في طريقي، أدرك أنني لست سوى شخص ينثر نفسه على أبواب الزمن، محاولًا التمسك بآثار الحياة رغم ما مضى.

أتسلق جدران النسيان، وأجد نفسي أحيانًا أنتمي إلى فراغ لا يعترف بالزمن. أركل حياتي كما يركل لاعب كرة مشتعلة، أحاول تجاوز اللهيب دون أن أحترق. وفي صراعي مع الحنين، أرميه بألف جمرة ملتهبة، ولكن يبقى القدر هو الوحيد القادر على إخماد تلك النيران. ومع ذلك، أضيء المستقبل بشعلة الأماني والوعود، أحمل في قلبي بريق الأمل، وأمضي قدمًا نحو ما هو قادم، مهما كانت العثرات.

ثم بنظرة واحدة، وجدت ما لم أبحث عنه طوال هذه الرحلة. نظرة أحيت قلبي التائه بين الصور والأحلام الضائعة. وكأنني كنت أبحث طويلاً عن نفسي في معرض الأيام، حتى أتيت بأجمل ما تصورته من صور. هناك، في عمق عينيك، وجدت الوطن الذي يأخذني إلى زمن القلوب النقية، إلى أفراح هجرها الزمن. النظر إليك يا الأنا، يشبه رؤية أول خيط من نور الفجر، فيه يقين وراحة لا نهاية لها. حب سرمدي لا يمسّه الزمن، حب يعانق الروح وينير القلب.

فالنظر إليك يا عائشة، خيال يطوف حولي، ينثر عطرك الممزوج بفرحي، فيملأني ببهجة لا توصف. تتسارع نبضات قلبي كطائر عانق قدره ونسى قسوة الأيام في حضنك الدافئ. عطرك يندمج مع لحظاتي، يفوح مغردًا في حقول أيامي وكأنني ولدت من جديد، وكأن العمر الذي مضى كان مجرد تحضير لما سأعيشه الآن، بجانبك، في عالم مليء بالحب والنقاء.

في كل لحظة تمر، أجد نفسي أكثر التصاقًا بتلك الصفحات التي تدون قصتي. ربما تتسارع السنين، ولكن في كل طيف من الذكرى، وفي كل نظرة حب، أكتشف أن الزمن لا يمضي حقًا، بل يتشكل على هيئة لحظات خالدة، نعيشها ونتأملها. وعند النظر إلى المستقبل، أرى شعلة الأمل لا تزال تضيء طريقي، وعطر الذكريات يرافقني أينما ذهبت.

عائشه ساكري تونس. 23_5_2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق