الجمعة، 22 نوفمبر 2024

قصيدة تحت عنوان{{حديث المشيب}} بقلم الشاعر العراقي القدير الأستاذ{{جاسم الطائي}}


حديث المشيب
----------------------------
بأيِّ العمرِ هذا العيش طابا
وحُكمُ الدهرِ ماضٍ لا يُحابى 
يُعابُ المرءُ في فعلٍ دنيءٍ
وإني كم أنِفتُ بأنْ أُعابا
لَكَمْ أسررتِ للعذّالِ عنّي
وأكثرتِ الملالةَ والعِتابا
وقفّيتِ الحديثَ ببعضِ زَهْوٍ
ألا فلْتَتَّقي بِغدٍ حِسابا 
لئن أسرَفتُ في الصبوات أني 
جموحُ الروحِ أطلِقُها شِهابا
كواعبُ يستبِحْنَ سكونَ روحي
ويرمِينَ الفؤادَ بما أصابا
فتياً تاهَت الأحلامُ عنّي
وضَلّت دربَها فَغَدَت سَرابا
أعانِي سكرةَ الأوهامِ منها 
فكَم مِن سَكْرةٍ سَبَقَت عَذابا
وذي الأيامُ قد مَلأَتْ كؤوساً
وساقيها كريمٌ إذْ أجابا
فنَجرَعُها مُعَتَّقةً شَجوناً
وتترِعُها ألا بِئْسَتْ شرابا
لأزهدَ في الهوى وأقولَ حَسبي
فيغريني بِمَن أعيَتْ طِلابا
تعانِدُني الجوارحُ كيفَ أمضي
ودونَ الخِلِّ أَلفٌ زادَ بابا
فما بيني وبينَ هوىً وذكرى
قضيتُ العمرَ أحصدُه غِلابا
فأبدَلَني رشادُ الأمرِ حِرْزاً
لأنأى بالفؤادِ وما أجابا
لَكَم جنّبْتُهُ ثوبَ الرزايا
فضيّعَ بي الفتوةَ والشّبابا
ألا واللهِ لم أكُ منه أشكو
فأورثَني مع النبضِ العَذابا
وما إنْ نلتُ شيئاً بَيدَ أنّي
أمنّي النفسَ في العقبى ثوابا
ومن خاضَ الغمارَ ببعضِ وَهنٍ
ليُرسِلَه دعاءً مُستجابا
يُنازِعْها إلى أملٍ مُرَجّى
فيشقى في الهوانِ ولن يُجابا
أكرِّرُها وفي الآفاقِ تترى 
فإني قد أنِفتُ بأنْ أعابا
ركابي صهوةٌ وجميلُ رَحْلي 
يراعٌ والمهندُ ما أنابا
أسَطِّرُ من حروفي المجدَ دُرَّاً
عيونُ الخلقِ ترقَبُها انجذابا
فقد سبَقَتْ فِعالي كُلّ قولي
وتاجُ الفخرِ أحملُهُ كِتابا
له في كل نازلة سطورٌ
إذا ثارتْ فقد جَزَّتْ رِقابا
يسابِقُني المهنَّدُ في يَميني
فيلحَقُهُ اليراعُ أراهُ قابا
ويستجلي بظهرِ الغيبِ عِزَّاً
تفيضُ به القوافي مُستَطابا
هما الصنوانِ قد مَضَيا بعزمٍ
كظلٍّ رافقَ الظلّ اصطحابا
جَسورَ القلبِ تعرفني الرزايا
فلا ذنباً أرومُ ولا ذُنابا
وتعلم أنني المقدامُ فيها 
لقد روّضتُ شيباً فِيَّ شابا
وما شيبي سوى نورٍ تَجلّى 
ولي منه الوقارُ وقد أهابا
وما لليل من حسناه إلا
وشمسُ الصبحِ نطلبُها طِلابا 
=============

٠جاسم الطائي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق