---
"أنا بيني وبيني… غريب"
في لحظات معينة من الحياة، لا نحتاج إلى مرآة لنرى وجوهنا، بل نحتاج إلى مرآة لأرواحنا، لعلّنا نكتشف ذلك الظلّ المتعب الذي يسير معنا منذ سنين، دون أن نعرفه حقاً. نعيش ونحن نحاول جاهدين أن نلملم أنفسنا، أن نعيد تشكيل أرواحنا من رماد التجارب، من خيباتٍ أكلت من أعمارنا كما تأكل النار أطراف الورق.
هناك لحظات، لا صوت يجيب فيها سوى الصدى، ولا يد تمتد سوى الفراغ، ولا عناق يدفئنا سوى وهم نخلقه لنخدع به وحدة قاسية. تتآكلنا الأسئلة في صمتٍ مرير: من نحن بعد كلّ هذا؟ أين ذهبنا وسط زحام الصراعات والخذلان؟ لماذا بتنا نخاف حتى من الحلم، وكأن الفرح أصبح تهمة؟
الوحدة ليست في البعد فقط، بل في أن تغدو غريباً عن نفسك، أن لا تجد فيك ما يشبهك، أن تتأمل ملامحك فلا تشعر بالانتماء. كم هو مرّ أن تتحوّل إلى ظلّ، إلى ذكرى تمشي على قدميها، تنتظر من يسمع صوتها حين يصرخ، من يرى الألم في عينيها حين تبتسم فقط لتخدع الوجع.
نحن لا نطلب الكثير، فقط صوتٌ يقول: "أنا معك"، ويد لا تفلت حين تتعب الحياة منّا. ولكن حتى هذه الأمنيات الصغيرة، باتت ثقيلة على واقعٍ لا يعرف إلا كيف يمضي دون أن يلتفت.
ربما نحتاج أحياناً أن نعترف: نحن متعبون. نحتاج إلى راحة، إلى دفء، إلى لحظة سلام مع أنفسنا. لا عيب في أن ننهار قليلاً لنقف من جديد، ولا ضعف في أن نبكي إذا ضاقت الروح. نحن بشر، وقلوبنا ليست حجارة.
في النهاية، كل ما نريده… أن نجد الطريق إلينا. أن نعود إلى ذواتنا، إلى ذلك النقاء الذي ضاع وسط الحروب الصغيرة والكبيرة. أن نجد فينا من يحتضننا، حين يعجز العالم كله عن ذلك.
ربا رباعي
الاردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق