صوفيةُ العِشْق
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
يسألني قلبي عنكِ...
قلبي يُناديكِ،
يُدندن لكِ أُغنيةَ حُبٍّ جديدة،
كتبها بين حُجَراته،
وسافرت، مختلطةً بدمي، من شِريانٍ إلى شِريان.
أُغنيةٌ عذراء، لم أُسْمِعْها لِأُنثى من قبلكِ،
أنتِ امرأةٌ كُتِبَت على اسمي
منذ ألفِ عام،
وهتف الليلُ وقال: "هي لك!"
هي حظُّك، وهي سَعْدُك،
امرأةٌ خَلَطَت بعِطر الوردِ خُطُواتِها،
وكنتُ أجملَ صورةٍ لأجملِ امرأةٍ
رُسِمَت على خدِّ القمر.
وكانت نَسَماتُ أيلول،
وفصلُ الخريفِ برَوعَته،
يتغنّى بكِ،
وسقطت أوراقُ الشجرِ خجلًا
وحياءً أمامَ رِقّتكِ وجمالكِ.
حبيبتي،
كما كان بالأمسِ عهدُ رِباط،
فاليومَ أُعيدُ القَسَمَ والمِيثاق،
وأوقّعُ بدمي، وأُقَدِّمُ إليكِ أوراقَ اعتِمادي،
وسيكون النَّرجسُ، والياسمين،
والدِّمشقيةُ المُخْمليَّة،
وسَوْسَنةُ حُقولِنا، شهودًا على قَسَمي ووَلائي.
قَسَمي لكِ أن تكوني حبيبتي
مدى العُمرِ، وما حييتُ.
وكلُّ النساءِ لم ولن يكنْ أكثر من مُجَسَّماتٍ غريبة،
يَمُرِرنَ مُرورَ الكِرام،
كوَميضِ ضوءٍ مرَّ من عالَمي.
أنتِ... ومن أنتِ؟
أنتِ التي بايعتُها مَلِكةً على عرشِ مملَكَتي.
أنا، وأنفاسي، وهَمَساتي، وكلماتي،
ومُعجَماتُ حروفي، طَوْعُ أمركِ.
قولي ما شئتِ...
البَوْحُ لكِ، والتَّغريداتُ لكِ.
علّمني حُبُّكِ أن لا أستسلِم،
وأن لا أكونَ مُتَعَجْرِفًا،
علّمني كيف أكونُ كَساعاتِ الفَجر،
تلوحُ في سمائي نَسَماتُ الصفاءِ،
نَسَماتٌ هي البلسمُ والدواء.
علّمني حُبُّكِ
أنَّ الليلَ مُناجاةٌ،
وأنَّ السَّهرَ هو الحنين،
وأنَّ النجومَ جَواريكِ،
وأنَّ القمرَ هو مِرآتكِ،
وأنَّ الهَمْسةَ تعني اللقاء،
وأنَّ النَّظرةَ بها الموتُ والحياة،
وأنَّ الغصّةَ تعني الحُبَّ المشبَعَ بالحَنان.
علّمني حُبُّكِ أن أكون إنسانًا.
قالتْ:
أُناديكَ في صمتِ الليالي،
وفي حضرةِ الشَّوقِ تهاوَتْ بي الأحلام.
نسيتُ الوَرَى...
ما عاد في قلبي سواك.
فأنتَ الذي سكنتَ نبضي والهُيام،
وفي همسكَ ارتاحَ الدمعُ،
وابتسمتِ الهَمَساتُ تُناجي،
وعينُ المُحبِّ لا تنام.
أنا من كتبتُكَ في خَفُوقي آيةً،
وسكبتُ من شوقي لعينيكَ النَّدى.
سافرتُ في حلمي إليكَ، كأنني
أنسى الزمانَ بحضرتِك... لا أُرَى.
أنصَتَ فؤادي لاعترافِك باكيًا،
فارتاحَ قلبي، واستكان، وهدأ.
أهواك... بل أنتَ الحياةُ بأسرِها،
أنتَ الرّجاءُ إذا تهاوى المُبتغى،
أنتَ الحكايا إن تلعثمتْ عِبارتي،
وأنا القصيدةُ حينَ تكتبُ ما اشتهى.
ما زلتَ تسكنني، وتسري في دمي،
كالماءِ... كالنَّفَسِ الذي لا يُنفى.
خُذني إليكَ، فإنَّ عمري ناقصٌ
إلا بعينيكَ، التي منها الضياءُ ارتوى.
وإذا كتبتَ، فكلُّ حرفٍ منك لي،
وكلُّ نبضٍ قلتَهُ قد مسَّني.
في الحبِّ نُبعثُ من رمادِ عذابِنا،
ونُقيمُ في لحنِ الوفاءِ مُنَى الرّجَا.
يا مَن سكنتَ القلبَ دونَ تكلُّفٍ،
تَبقَى حبيبي... ما حييتُ، ومَن أتى.
حبيبي،
بِغيابِك يعمُّ الصمتُ كلَّ مكان،
وحزنٌ يلفُّني بعباءةِ الأشواق،
وتُبكيني لحظاتُ الفُقدان.
أُحسُّ أن لا وجودَ للوجود،
ولن يكونَ هناك فجرٌ جديد.
أزهاري تكادُ تَذْبُل،
ولم يَبْقَ إلّا أَطْلالي، أُناجي بها الغُروب،
وأُرسِل معه أشواقي.
حبيبي،
قُربُك يعني الحياة،
واللحظةُ بدونك تعني الموتَ البطيءَ لي.
حياتي مرهونةٌ بوجودك،
وطَيفُك كالماءِ،
عندما ينزل المطرُ على أرضٍ عطشى،
يُحييها، ويُنبتُ بها الزرع،
وتتفتحُ أزهارُها.
اشتقتُ إليك شوقًا لا يُعادلهُ شوق،
وكتبتُ لكَ قصيدةَ أشواقي مع كلِّ نَبْضَةٍ حَزينة،
نَبْضُها خافقي.
أشتاقُ لكَ، وأنتَ معي وبقُربي،
فكيفَ يكونُ حالُ العاشقِ المُشتاق،
إن غابَ طيفُك؟
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق