الخميس، 21 أغسطس 2025

قصة قصيرة تحت عنوان{{لوبين… في المدينة العابثة}} بقلم الكاتب القاصّ اللبناني القدير الأستاذ{{محمّد الحسيني}}


حب في كل زاوية 2
"لوبين… في المدينة العابثة"

كنتُ أفتّشُ في جيوبِ الرّيح،
أبحثُ عن أيِّ شيءٍ يُشبهكِ… خُطوة، خيطَ شَعر، ظلّ على زُجاج نافذة...
لكنّ المدينةَ تتواطأ، تسخرُ من تحقيقِي،
كأنّها روايةٌ مفتوحةٌ، وأنا بطلٌ دخيل.

ارتديتُ قُبعتي المضحكة،
وأخرجتُ عدسةً مُكبّرةً من حقيبةٍ لا أعرفُ كيف وصلتني،
وتذكّرتُ "لوبين" حين سرق ساعةَ الحارس
فقط ليُعيدها إليه مُغلّفةً بوردة…
فقلتُ: لو كنتُ مِثله، لعثرتُ عليكِ ثمَّ خبأتكِ عن نفسي!

أوَّلُ الأدلّة: بالونٌ ورديٌّ يركضُ بين السّيّارات.
كدتُ أُصدّقُ أنّه إشارةٌ سريّة.
لكنّ صوتًا داخليًّا سخر:
"لوبين كان سيختطفُ البالون،
ويكتبُ عليه رسالةً غراميّة،
ثم يتركُهُ يُحلّقُ كطُعمٍ في السّماء".

ثاني الأدلّة: بطاقةُ مترو مُهمَلة.
انحنيتُ إليها كمن يكتشفُ خريطةَ كَنز،
لكنّها بلا اسم، بلا رائحة، بلا أثر.
في تلكَ اللحظة لم أتمالك نفسي:
"أيعقل أن أكون مُجرّد هاوٍ يُقلّدُ بطلًا من ورق؟"
اختلطَ الضّحكُ بالحيرة،
وأمالتِ القبعةُ رأسَها أكثر، كما لو أنّها تُوافقُ على عبثي.

وثالثُ الأدلّة: ظلُّ امرأةٍ في زُجاجِ متجرِ أحذية.
شعرتُ أنّني اقتربتُ أخيرًا…
إلى أن انعكسَ المشهدُ ساخرًا:
رجلٌ أصلعُ يُجرّبُ حذاءً أحمر،
ويبتسمُ للمرآة ابتسامةً مُغرية!
كدتُ أنهارُ من الضّحك،
وتخيّلتُ "لوبين" متخفّيًا بذاكَ الرّداء،
يَنظرُ إليّ شامتًا.

لكن… عند بابِ المتجر،
رأيتُ شيئًا لم يكُن عبثًا هذه المرّة:
مناديلُ ورقيّةٌ مطويّةٌ بعناية،
عليها أثرُ أحمرِ شفاه،
بما يكفي لإشعال شارعٍ بأكمله.

ارتجفتُ… أهذهِ أوّلُ علامةٍ حقيقيّة؟
كأنّها قالت لي:
"كفَّ عن مُطاردة الظّلال، واتبعني حيثُ لا تُخطّط".

وعلى رصيفٍ مُوازٍ،
درجٌ يقودُ إلى أسفل قاعةٍ صاخبة،
وكعبُ حذاءٍ مكسورٌ يُخفي ملامحَهُ بين أوراقٍ ملوّنة،
وحولَهُ ثلاثُ فئرانٍ تلهو كحرّاسٍ عبثيّين.
قُربَها عربةٌ خشبيّة صغيرة،
تدورُ بمفردها وتُصدرُ صريرًا خفيفًا.

تساءلتُ: أهيَ دلالة؟
ربّما…
ربّما حان الوقتُ لأن أنزعَ "لوبين" عن الحكاية،
لأصيرَ نفسي…
أميرَ أعمدةٍ لمدينةٍ منسيّة،
تركها النّاسُ لأميرها وحيدًا،
يعدُّ الظِّلال ويستقرُّ الأرصفة،
يُراقبُ الفئرانَ ويتنفّسُ الغُموض،
ويدركُ أنَّ مُطاردتَها بدأتْ للتو،
دون أيِّ ضمانةٍ للعثورِ عليها.

✍️ محمّد الحسيني ــ لبنان 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق