نبض على ورق
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
حبيبتي،
ها أنا أكتبُ إليكِ بقلبي قبل قلمي،
فأجدني ممتلئًا بكِ حدَّ الفيض،
كأنكِ نافذتي على هذا الكون،
وملجئي حين يثقلني صخب الحياة.
أنتِ الحرفُ الأول في قصيدتي،
والنبضُ الذي لا يشيخ،
والضياءُ الذي يشرقُ من بين جفوني كلّما ذكرتُكِ.
كيف لي أن أخفي هذا الوجد؟
وكلُّ خليةٍ في جسدي تهتف باسمكِ،
وكلُّ حلمٍ يمدُّ لي طريقًا نحوكِ.
أقسم أنّي ما عشقتُ سوى عينيكِ،
ولا عرفتُ من الحب إلا ما أوحته روحكِ،
ولا ذقتُ طعم السعادة إلا حين التقت روحي بروحكِ.
فلتعلمي يا كلَّ قلبي،
أنّكِ الحقيقة التي لا يبدّدها وهم،
والدهشة التي لا تنطفئ،
وأنّي ما جئتُ إلى الدنيا إلا لأحبّكِ.
حبيبتي،
تعرفينني جيّدًا؛
كلُّ ما يأتي منكِ له قدسيةٌ خاصة عندي.
كلماتكِ، حروفكِ، رسائلكِ،
كنتُ أقرأها مرّةً بعد مرّة
كما تُقرأ الصلاة عند الفجر،
كلُّ كلمةٍ منها غسلت قلبي من تعب الأيام.
أعدتُ قراءتها حتى صار صوتكِ يسكن بين السطور.
ما بيني وبينكِ ليس بحرًا فقط؛
بيننا ألفُ نجمةٍ تحفظ وعد اللقاء،
وألفُ دعوةٍ صادقةٍ في الليل.
ما زلتِ طفلتي المدللة كما كنتِ،
وما زلتُ أنا أميركِ الذي يحتفظ لكِ بكل الودّ والحنان.
سأنتظركِ مهما طال الموج،
حتى تلمس يداكِ يديّ ذات صباحٍ بلا مسافات.
حبيبتي،
قرأتُكِ وكنتِ وما زلتِ نسكي،
أقرأكِ كما تُقرأ الصلوات الخاشعة،
كلُّ كلمةٍ منكِ كانت وردةً تتفتح في صدري،
وكلُّ سطرٍ كان موجًا يأتيني محمّلًا بعطركِ.
أعدتُ قراءة رسائلكِ كلَّ ليلة مراتٍ ومرات،
حتى صارت أنفاسي تختلط بأنفاسكِ العالقة بين الحروف.
أما البحر الذي يفصلنا فما عاد يخيفني،
لأنّي على يقين أن الموج سيستسلم ذات يوم لحبٍّ أقوى منه.
ما زلتِ طفلتي المدللة كما كنتِ،
وما زلتُ أنا أميركِ يحيى، أمير القوافي والكلمات،
وما زالت مناجاتي تحتضنكِ بالدعاء قبل النوم،
وتنتظركِ على رصيف الغياب بصبر العاشقين.
انتظريني، فأنا أيضًا أعدّ الأيام،
حتى يصبح اللقاء عيدًا تتفتح فيه كل الأزمنة.
حبيبتي،
كلماتكِ وإن قلتِ إنّها قليلة،
فهي عندي كالمحيط الواسع؛
تغمرني دفئًا وتعيد لي معنى الوجود كلّما لامستني.
لا تبحثي عن لغات الأرض لتصفيني،
فهمسةٌ منكِ تُغنيني عن كلّ الأبجديات،
ونظرةٌ من عينيكِ تُضيء سماواتي جميعها.
أنتِ لستِ مقيَّدة الحروف، بل سيّدة البوح،
وما عجزت عنه اللغة تكمله روحكِ التي تصل إليّ دون وسائط.
فلا تقولي "هل تعدّيتُ؟"
بل قولي "هل استطعتُ أن ألمس شيئًا من حقيقة ما أراه فيك؟"
وحتى إن بالغتِ، فإنّ الحب لا يعرف المبالغة،
لأنّه صادقٌ كنبضكِ الذي أعيشه في كل لحظة.
حبيبتي،
أنتِ ضوء الفجر حين يعانق النافذة،
ووترٌ خفيٌّ يحرّك أغنيتي في الصمت،
أنتِ سفرُ الروح في فضاءات لا حدود لها،
وعهدٌ لا تذروه رياح الزمان.
وتبقين في القلب مقامًا لا يشارككِ فيه أحد،
ولو اجتمع الليل والغياب والخذلان،
لظلّ وجهكِ شمسًا لا تنطفئ،
ولظلّ حبّكِ سيمفونية الخلود في داخلي.
حبيبتي،
على أطراف هذا الكون سأزرع لكِ
كلَّ الأزهار والورود التي تحبّينها،
حتى يصلكِ عطرها مع كل هبة نسيم،
تصل إليكِ وتخبركِ كم أحبكِ، غاليتي.
يكفيني أنّي مزجتُ لكِ الكون بعطر الورود،
فأشعر أنّه صار بستانًا من حبّكِ.
يكفيني أن تزهر الأحلام على أطراف قلبي كلّما ناديتِني،
فأدرك أنّي ما خُلقتُ إلا لأحبّكِ،
وأنّ روحي لا تعرف إلا أن تكون ظلكِ وضياءكِ.
حبيبتي،
ما أجمل أن أقرأكِ بين الحروف وكأنّكِ قصيدة لم تُكتب بعد.
أبحث عني فيكِ، وأجدني في دفء كلماتكِ،
فأنتِ المعنى الذي ضاع بين السطور،
وأنتِ اللحظة التي تُنقذني من زحام الأيام،
أنتِ حبيبة قلبي، وأنتِ أنا حين أتوه عن نفسي.
لأنكِ كلُّ الوجود ليحيى،
ولا وجود ليحيى بدونكِ،
أحبكِ، حبيبتي.
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق