الجمعة، 26 ديسمبر 2025

نص نثري تحت عنوان{{خيْمةُُ من حنان وحنينْ}} بقلم الكاتب التونسي القدير الأستاذ{{الطاهر مزاته}}


خيْمةُُ من حنان وحنينْ
أنا ابنُ الوبرْ
نبتُّ في البادية
كما تنبتُ الرّوحُ في الجسد
جذوري ضاربةُُ في الأرض
مثل نبتِ القتادْ
لا يهشّ ولا يلين
ركضتُ في قلبها
مثل الغزال
صِدْتُ الحجل واليرابيع،
ونصبتُ الفخاخ
حدوْتُ العيسْ ورعيتُ الأغنام
جريْتُ وراء الجمل
شاردا
لا اَبهُ دعْصا أو كثيبْ

في ربْعنا القصيّ
ضرب الفقرُ أطْنابه
ولفّنا النسيانُ
حتى كاد ينسانا
منحنا حاكمنا شهادة فقرٍ
نقضي بها حوائج تافهة
وحين تحوّل الفقرُ إلى سُبّةٍ
كنّا نُداريه
ونتظاهر بأنّا سادةُ العالم
لكنّهُ الملعونُ يفضحُنا
في النعل وفي القميص
والهيئة الناشزة 

نمَوْتُ في خيمةٍ
هلْ تعرفُ الخيْمةَ؟
لا،احْك لي
قلتُ:هي قصّةُُ لا تُروى
حكايةُُ تعصو على السرد
محنةُّ تُعاشُ
ومعاناةُُ تُكتبُ 
برماد الحنين
صنعتها النسوةُ من وبرٍ  وصوف
نسجنها من نسْغ الأعصاب
ومُؤق العيون
وأهداب الصبر
وملاحمَ الصمودْ
بمعاصمَ وزنودْ
مثل ذوائب السيوف
حتى استوتْ فوق الأرض
تشدّها،مثلما تشدٌ الأطوادُ
مفاصلٕ التراب
أومثل حزام من جلد
يُثبًتُ الخاصرة
كي لا تميدْ
تبسطُ جناحيها عن يمين وشِمالْ
مثل نسْر روّض وعْر الجبال
تتحاماها ركيزتان،
تتعانقان في شكل قاطع ومقطوعْ
وأشرعةُُ تَرْفعُ، ثابتاتُ الجِنانْ
وأطنابُُ تشدُّها
مواثِقُ بأسنانها
مخافة الهروبْ
ضلوعُها فِلْجةُُ
تتلاحمُ مثل أمّةٍ هدّدها الفناءْ
تُزيّنُها طرائقُ
كما يُزيّنُ الوشمُ الخدً الأسيلْ
في المرابع والمخارف
تُطوى مثل حِرْزٍ،
توضعُ على الرّاحلة
نَضربُ في الأرض بحثا
عن تمرٍ وشوْك التين

في جوفها،حين يلسعنا البرد
نتكوّمُ،نتكوّر،ننْصرّ،
نستدٍفئ بالأنفاس مثل فراخْ
نُمسكُ بتلابيب العباءةِ الصّوف
نكادُ نُمزّقُ لحمها
بين شدّ وجذْب،
تتعالى قهقهاتنا
لحكايا الجدّ والألغاز والأحْجياتْ
وضحكةِ الجدّة
مثل السعال الأصفر
فيركضُ الفرحُ ويشرئبّ
مثل فرسٍ يتحفّزُ للسباقْ
وعند العواصف والأنواء
يخبطُ المطرُ فِلْجَتَها
،تتكسّرُ الأمواه، وتسيلُ على جنباتها
تخجلُ أن تبلّ
صبيةََ نيامْ

وفي الصباح تنهضُ أمّي من خدْرها
تُنضجُ لنا الحياة
على قِدْرٍ من طينْ.
وتنتصرُ النار على الحطب المبلولْ
وتستمرئُ الخيمةُ حرّ اللّهيبْ
مثل عروسٌ تُجفّفُ رطوبتَها
بألسنة البخورْ

وفي اللّيل حين يطْرُقنا القِرى
فلا أقلّ من تمراتٍ
ومشربٍ بالشّنينةِ يطْفحُ
أو جفنةٍ من ثريدْ
فالفقرُ رغم أطْنابه
نجلُدهُ بسوْط الكبرياء،
نأْبى لهامَةِ الخيمة
أن تنْحني

اليوم،أقطنُ منزلا 
رفوفُهُ تضجُّ بالكؤوس والدوارق
وطواقمَ من فخارٍ ونحاسْ
تقْضي أعمارها عوانسَ،
لا يدُُ حانية تلمسُ،
ولا شفاهُ ظمأى
بلّلتْ شهْدَ الرّضابْ.

الطاهر مزاته/تونس

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق