الخميس، 19 سبتمبر 2019

قصة قصيرة بعنوان{{عبث الأقدار }} بقلم الشاعر والكاتب العراقي القدير الاستاذ {{رعد الإمارة}}

(عبث الأقدار )
كان من الممكن أن أبقى معلقا مابين الأرض والسماء  لأمد غير معلوم ربما، لكن الذي حدث إن خفقة من جنح  ملاك مر بأسرع من لمح البرق من جواري جعلتني اهوي للأسفل.استيقظت صباحا فوجدت إن هبوطي الاضطراري كان عند ساحل من سواحل بحار الأرض، تبا وألف تبا! ااعود للأرض بعد أن فارقتها!؟فعلا هذا الأمر غير عادل البتة.للحظات وأنا أمشي على ساحل البحر تاركا خلفي خطوات شبحية أخذت أفكر في كنه هذا الملاك الذي فعل بي ما فعل، لكن مهلا، قد يكون من اسقطني أرضا شيطانا لا ملاكا!حدقت في السماء وحاولت قدر الإمكان اختراق حجبها، لكني سرعان ما عدت لما أنا فيه، كيف يمكن لشبح مثلي اختراق كل تلك السماوات!هززت كتفي الخفي ثم أكملت سيري صوب بعض البيوت المتفرقة هنا وهناك.كان الوقت صباحا واشعة الشمس الذهبية قد  جعلت كل شىء يبدو لامعا، مياه البحر، ورمال الساحل الطويل وحتى جدران بعض البيوت التي أصبحت قريبة جدا الآن،ولأنني كنت شبحا خفيا فأن أشعة الشمس هذه لم تؤثر بي، حتى إنها لم تنعكس على جسدي! انتابتني ضحكة تهكمية، إذ كيف يمكن ان تنعكس؟أشعة الشمس على جسد ليس له من وجود!!أخذت أفكر في جسدي، وانتابتني موجة ليس من مياه البحر طبعا وإنما من الدهشة، كيف لا أتذكر تفاصيل جسدي المادي الذي كنت قد شغلت منه حيزا كبيرا، حتى وصل بي الأمر إلى تسييره كيفما وأينما شئت! طيب هل يعود السبب في ذلك  لفقداني الذاكرة، وهل حقا فقدتها!ياويلي ،لست أتذكر شيئا من أي شىء! وراقت لي العبارة الغامضة الأخيرة، حتى وجدت نفسي اعاود  الضحك كالمجنون ، لكن عجبا، مابالي لا اسمع شيئا من ضحكتي.اخذت امشي على غير هدى، وكان يمر بي الكثير من العابرين والعابرات من البشر لكن دون أن ألفت انتباههم، وتمنيت لحظتها لو امتلكت مرآة كبيرة، ربما عندها يتغير الأمر وافهم شيئا مما انا عليه. آه، أخيرا، ثمة منزل كبير، بناءه حديث، إنه يختلف عن باقي الدور المنتشرة بصورة عشوائية، طيب سنرى، همست لنفسي هكذا قبل أن اهز كتفي الخفي، واخترق الجدار. كان السكون المطبق يخيم على المكان، تطلعت يمينا ويسارا، وكنت في سبيلي لأختراق جدار البيت الداخلي حين تناهى إلى سمعي صوت زمجرة، آه، شعرت بالرعب ونسيت إنني أفتقد للجسد، التفت قليلا ،تلاقى بصري الشبحي بعينيه الحمراويتين، تبا له من لعين! كان كلبا ضخما بشعر كثيف أخذ يتماوج مع كل نبحة من صوته الكريه، أخرجت له لساني الخفي، واخترقت الجدار فخمد الصوت وتلاشى. أخذت أسير على السجادة المزركشة دون أن أصدر صوتا يذكر، آه، كنت في صالة الاستقبال الفخمة إذن، أخيرا هاهي، طالعني جسد المرآة الكبيرة المثبتة بالجدار، مشيت نحوها، وكنت بداخلي أضحك ساخرا من غبائي، إذ مالفائدة التي كنت سأجنيها من رؤية اللاشىء! اللعنة! ماهذا، كان الرعب والدهشة قد ارتسمت بصورة واضحة على ملامح وجهي الظاهر للعيان الآن، رفعت ذراعي، أنهما سليمتان، وهذا رأسي بالشعر الفضي الذي أعرفه الآن، عيناي وانفي وشفاهي الرفيعة، كل شىء موجود! أحدهم قادم، سمعت خطوات، إنها امرأة، استدرت نحوها وقد شاع الارتباك في ملامح وجهي، لكن تبا، ماهذا الآن! إنها تخترق جسدي دون أي ارتطام!!رحت احدق فيها وفي اصابعها التي أخذت تعبث بشعرها، انتابتني في البدء حيرة عجيبة، لكن الغضب سرعان ماخيم علي حتى شعرت بهواء ساخن أخذ يلفح روحي!تراجعت للخلف، اخترقت الجدار بظهري، طالعتني عيون الكلب الطافحة بالغضب، نفخت في وجهه انفاسا حارة أشبه بلهب بركان ثائر، تراجع للخلف مرعوبا وأخذ يهز بذيله.وقفت خارج الدار، استنشقت انفاسا منعشة، هدأت نوبة غضبي، سرت بلا هدف، قادتني خطواتي نحو ساحل البحر، وكنت قد اتخذت قرارا بأغراق نفسي، قطعت مسافة لابأس بها ثم ما لبثت أن  توقفت ورحت أضحك بصورة هستيرية وانا أردد مع نفسي، كيف عساك يا أحمق ستغرق روحا فارقها الجسد!!!
بقلم /رعد الإمارة /العراق 
3/9/2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق