الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019

ج1 من قصة {{موسم الحقد }} بقلم القاص العراقي القدير الاستاذ {{رعد الإمارة}}

عابر سبيل، ترك أثرا خلفه!

١
(موسم الحقد)
 في الماضي، عندما كنت صغيرا مثل عود الخيزران، أتذكر بأني كنت مغرما بمضايقة عجل جارنا ذو اللون الاسود، كنت احب الجري خلفه ومحاولة إمساك ذيله! كان اخوتي الصغار يضعون حصتهم من الدعابل الملونة كرهان على ذلك، العجيب في الأمر اللعين هذا، إني كنت أفشل في كل مرة! وفي المرة الأخيرة التي هرولت فيها خلف العجل، لم انتبه لخطوات أبي التي توقفت عن بعد، كان يراقبني بغضب، ادهشني وانا اجري بكل قوتي ذاك السكون العجيب الذي ران على حركات اخوتي المشاغبون! لقد كفت حركتهم وضحكاتهم فجأة، ثم سمعت الصوت الذي أعرفه جيدا يخترق طبلة أذني! عندما التفت للخلف، امتلأت ملامح وجهي بالدهشة، إذ ان الحجر الذي أطلقه ابي خلفي اصاب فمي، كما لو انه خلق لهذا الهدف! توقفت حركتي تماما، واصطبغ ثوبي بالدم، وجدت نفسي ملقى في أحضان ابي، وهو يمسح الدم عن فمي ويبكي! مرت سنين طويلة، ومنذ ذلك الحين كففت عن الضحك مثل باقي البشر! كانت إصابة الحجر قد جعلت بعض أسناني متراكبة ومضحكة، وكنت كلما مررت بلساني على اسناني اتذكر فعلة أبي فينحب شئ في داخلي، من أجل ذلك انا لم أغفر لأبي فعلته هذه! حتى عندما طلب ذلك وهو على فراش الموت!!!!

٢(عجز) إنها سكينا حادة، تلك التي خبأتها في طيات ثيابي! كانت باب الدار مفتوحة كالعادة، وجدتها في الحديقة، كانت تتأرجح جيئة وذهابا وساقاها يخطان الأرض المعشوشبة خطا، لقد تغيرت علي منذ فترة، من أجل ذلك قررت استخدام مواهبي المندثرة! حاولت ابتداءا مداعبتها، لكنها نفرت ورفضت كما توقعت تماما! حدقت فيها، مباشرة في عينيها، ضحكت وراحت تهز يدها، وكأنها تقول، يالك من قديم! أخرجت السكين بسرعة والصقتها على فخذها من فوق ثوبها الشفاف، اتسعت عيناها بسرعة وعلت الدهشة ملامحها وندت عنها صرخة قصيرة، حاولت أن تخفيها بضحكة خرقاء من ضحكاتها المعتادة، لكني بدوت جادا، غرزت السكين اكثر وبقوة، حتى اني همست بصوت لايشبه صوتي بتاتا، قلت :
_انهضي أمامي بسرعة، سأبقر بطنك ان تفوهت بحرف. كانت جارتي فعلا خائفة، لكن يبدو أن حركة السكين هذه قد راقت لها كثيرا، اتسعت حدقات عينيها ثم أخذت تلهث وهي تكاد تلتهمني! سارت أمامي وهي تتلفت مبهورة، وكأنها تكتشف وجودي لأول مرة، قلت لها قبل أن ندخل غرفتها :
_انا اعرف ان ثمة شخص آخر في حياتك، لست احمقا، لقد شعرت بالأمر منذ مدة، انت جارة لعينة، ظننت انني شتاؤك الوحيد، يالي من غبي.

_اصمت، تعال فحسب، أين كنت تخبئ حرارتك هذه يا احمقي! تعال أرني سكينك الأخرى. لكن تبا، قبل أن نعتلي سريرها الأزرق، انتابني برود عجيب فسقطت كل السكاكين، كنت عاجزا!!!

٣(غربة) مساءا، بل في أغلب المساءات، كنت أحملها بين ذراعي واهرول بها صاعدا درجات السلم بسرعة، وكان يسبقني في هذا نشاطي وصحتي القوية، كنا نقف متكئين إلى جدار سطح بيتنا ذو الطوابق الثلاث، كنا نحدق مبهورين من شدة جمال القمر، ثم ترفع بنت شقيقتي ذات السنوات الأربع اصبعا او إثنين وتهمس بلهجتها السخيفة المعتادة :
_حالو، كاك، ككا. اضحك بقوة من احرفها العجيبة واهز جسدها فنختض معا، عندها يأتينا الصوت الرخيم الحلو، تهمس امي من خلفنا وهي تشم الصغيرة بشدة :
_قولي خالو، خالو كمر. ترد الصغيرة بمكر وهي تستدير بكامل جسدها نحو الجدة :
_حالووو، ككا. تضحكان معا، تصيبني عدوى ضحكاتهما الطفولية، اسمع امي تقول لها :
_قولي لحالو ينزل، سيبرد العشاء.  آه، بعد كل هذه السنين المرعبة من الغربة، كنت احيانا ارفع رأسي خجلا نحو القمر، تدمع عيني وانا اردد مع نفسي، لم يعد ثمة طوابق ثلاثة، هل ياترى تتذكرني الصغيرة الملعونة، هل مازلت قمرا بنظرها وبنظر الآخرين!!!!

بقلم /رعد الإمارة /العراق
٢٣/١٢/٢٠١٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق