الفصل الثالث عشر من قصة / هنا مات وطني ..
و عند خروجي من باب مكتب التحقيق ، رأيتُ أبي يجلسُ على الكرسي الذي كان بالقرب من الباب و هو يضع كفيه على وجنتيه و يبكي بحرقة و ودموعه تمطر خديه ، كان يأن و يلوم نفسه ، و على ما فعله بنا ، و على ما جرى لي ، وقفتُ بالقرب منهُ ، و أنا مكبلة القدمين و الكفين بالجنازير وديعة ذلك الشرطيان ، نظرتُ له ثم قلتُ له بحرقة قابعة في صدري و تخرشُ حنجرتي ، ياليتك لم تكن أبي ، و يا ليتني لم أكن من نسلك ، حينها شعرتُ بأن المحقق كان يسترق النظر و يراقبُ كل خطوة أقدمُ عليها و كل كلمة أتفوه بها ، لا أعلم ما أمره ، لكن رغم قسوته البالغة ، إلا و أنني بدأت أشعر بأنهُ بدأ يعطف علي بعض الشيء ، حينها مضيتُ و كنتُ أتعثر بتلك القيود و الجنازير اللتي كانت تثقل أقدامي و يدي حتى وصلت باب ذلك السجن الذي كان يمتلئ بالكثير من السيدات المسنات و البالغات و القاصرات منهن ، حينها حرروني من تلك القيود ثم فتح لي أحدهم باب السجن و طلب مني أن ادخل ، نظرت له و كانت عيناي تتمرغان بالدموع و بدني الذي يرتعش من تلك النظرات التي كانت تنظرها لي الكثير منهن بالجفاء و بعد الشك و الكراهية الغير منطقية ، كأني أنا التي رميتهم داخل هذا السجن ، حينها دخلت متوجهةُ الى تلك الزاوية الغربية الفارغة و أنا أتخطى و أتعثر أجسادهن التي كانت تفترش أرض المهجع ، كان الجميع يترقب خطواتي ، نظراتي ، حركاتي بعين من الشك و كأنها تفصحُ عن تسائلاتهم من أكون و من الذي أتى بي إلى هنا ، حتى وصلت تلك الزاوية القابعة في أقصى المكان ، جلستُ و أنا غير مطمأنة على نفسي ، وبادر إلى ذهني الشك من تلك كانت تجمع العشرات منهنمن حولها ، و عن الأخرى التي كانت تسند كتفها على جانب كتف رفيقتها التي كانت تعاطيها جرعة زائدة من المخدرات و الكحل الذي تعج رائحته بالمكان ، و الأخرى التي تهدد و تتوعد و تتشاجر مع الأخريات ، و عن تلك التي كانت طريحة الفراش تنازع الموت بسبب تعاطيها بالجرعة الزائدة من الخمر و المخدرات حتى القي القبض عليها و هي بالجرم المشهود ، و عن الباكيات دمِ حد فقدان الوعي بسبب غبائهن و نزواتهن ، لا أعلم مالذي جرى لي أشعرُ بدوار شديد كأن الأرض تدور بي بسرعة كبيرة و صداع مخيف أشبه بتصلب جميع أوردة رأسي الذي يكاد أن يقضي علي ، سأحاول الأستلقاء بعض الوقت لعلي أكون بخير ، و بعد مرور بعض الوقت و أنا أعيش حالة حرب نفسيةً قاسية مع ذلك الدوار و الألم ، جاء بفكري ذلك المحقق المتعجرف الذي كان يصرخ بوجهي قائلاً تحدثي وألا جعلتك تتعفنين في السجن وتتمنين الموت ولا تصلي إليه ، و كيف بدأ يعطف و ينجذب نحوي و يحن علي هل شعر بأني مظلومة و ضحية كباقي الضحايا اللواتي مررن من قبلي و ها هن اليوم يملؤون السجون و لا أحد يدافع عنهن أو يسأل عن متطلبات أحتياجهن ، أم أنه يود يوقع بي بكارثة كبرى كما فعل أبي من قبله لحصوله على شهواته ، و ما بين ذلك الدوار الذي كان يفقدني صوابي و ما بين الصداع الأليم غفوت أنا ولم أشعر إلا وأحداهن تنادي علي أنتِ ، أستيقظي ، قد حان موعد تناول العشاء يجب عليكِ جلب طعامكِ و إلا يقتلك الجوع و العطش ، صحوت و لم أستطع رفع رأسي من الأرض كأن أحدهم ضربني بشيءً ما ضربات موجعة مؤلمة على رأسي حتى أفقدني الوعي ، حينها طلبتُ منها أن تساعدني حيث قامت بتأبط ذراعي و مساعدتي بالجلوس ، قائلة ، هل أنتِ على ما يرام ، أجبتُ لا أعتقد ذلك كونني أشعرُ بدوار و صداع مؤلم جدا ، حتى لا أستطيع فتح عيناي و النظر ، قالت أنا سأجلب لكِ وجبة العشاء لا عليكِ بذلك ، و بعد دقائق عادت و بيدها أناء من البلاستك في داخله البعض من الشوربة و القليل من بعض الخبز ، نظرتُ أليه و هو في يدها قلتُ هل هذا هي وجبة العشاء ، أبتسمت في وجهي بأبتسامةً تهكمية ثم قالت ، نحن في سجن النساء ماذا تتوقعي أن يكون طعامهم ، خذيه و تجرعيه كما هو و إلا ستندمين على تركه أو رميه ، حينها مسكت الوجبة ثم وضعتها جانباً ، و ليس لي القدرة على أحتساء الشوربة أو أكل الخبز ، جلست بالقرب مني قائلة ، يبدوا أنكِ جديدة العهد على هذه الأجواء اليس كذلك ، وميتُ لها برأسي أي بنعم ، ثم قالت ماهي تهمتكِ ، أجبتها بصوت خافت ، الممنوعات ، ثم نظرت لي بنظرة متفحصة وقالت هل طلبوا منك حمل بعض الحقائب والسفر بها من بلد إلى بلد أخر ، هنا نظرت لها بنظرات تعجب و أستغراب من حديثها و تشبيهها ، سألتها و كيف عرفتي ذلك ، أجابت الأثرياء هم أغبياء دوماً ، لا يعرفون كيف يتدبرون أمورهم ، أبتسمت ثم قالت أنا في جوارك ، شكرتها ثم ذهبت ، و أمضيتُ وقتي أنتظر شروق شمس الصباح لأعود إلى ذلك المحقق كي يكمل الأستجواب وينهي تحقيقه معي ..
بقلم الكاتب / مهند كريم التميمي !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق