الجمعة، 7 يناير 2022

قصة قصيرة تحت عنوان{{مدفأة الجدة}} بقلم الكاتب القاصّ العراقي القدير الأستاذ{{حيدر الدحام}}


 مدفأة الجدة


رجع يجر اذيال الخيبة ، خطوات ثقيلة وبطيئة كدبيب النمل ، عيون غائرة تترقرق خلالها الدموع ، رأسه منكس لا يجرؤ  أن يرفعه .
رمى بجسده المتعب فوق سريره كأنه قد سقط من علو شاهق ، أقتربت منه زوجته لتطمئن عليه .
- لقد خسرت كل شيءٍ.
- ماذا ؟!!
- أضعت ثروتي ، سنكون بلا مأوى.
- لقد عملت ما يدور برأسك ، انه عنادك . 
- تعلمين جيدًا ، هذا هو عملي .
- نعم ، صحيح .. لكنك أدخلتنا بمغامراتك وسببت ضياعنا .
نهض ليسند نفسه محاولًا الجلوس ، نزع سترته وربطة عنقه التي خيل له كأنها حبل مشنقة.
أشعل سيجارة وجذبها بنفس عميق .
- حبيبتي  .. منذ طفولتي وانا عصامي ، بدأت من الصفر ، كونت ثروتي البسيطة مضاربًا في سوق العقار ، ولا أنسى وقوفكم معي فطالما تركتكم دون دار سكن .
- وقد حذرتك كثيرأ ، لو تعرضت لخسارة فانك ستخسر كل شي ، وأهم شيء … إنه الوطن .
جلست على الأرض والدموع تتساقط من عينيها ، حالة خوف من المجهول بدت على وجهها البريء ، لم تدرِ ماذا تفعل ، وما هو الحل .
طرق الباب ..
- انا المحامي ، جئت لتسوية الأمور بصورة ودية دون اللجوء الى المحاكم .
- نعم .. نعم .. أفهم موقفك تفضل للداخل .
جلس مرتبكًا وعيونه تترقب ما ستؤول إليه الأمور ، عكس المحامي الذي كان رصينًا او رباطة جأش ولباقة في الحديث .
- لأخبرك أولًا .. جميع الدائنين متعاطفين معك ، ولا نية لهم بايذائك ، فقدك لعملك خسارة للجميع ، لكن المبلغ كبير ، كان الأجدر بك التأكد من الأوراق المزورة قبل بيع الأرض ، لقد خسرت مالك وثقة الجمهور  بك .
- صدقني ، لم اكن أعلم ، كنت حسن النية ، لكن الطمع أغراني وسرت مغمض العينين خلف غرائزي ، ولم أنو غش زبائني …
قاطعه المحامي ناظرًا لساعة يده ، وبدت عليه حالة التذمر من ضياع الوقت بكلام لايوصف إلا ( بمضيعة للوقت ) .
- على العموم .. سأقوم غدًا بإجراءات الحجز ، أرجو أخلاء الدار وتسليمها خلال شهر واحدٍ فقط . 
ودعه الى الباب الخارجي ، نظر لحديقة المنزل ، شجرة البرتقال التي أهداها خاله من ديالى ، الارجوحة الصغيرة التي رافقت بناته لغاية الجامعة !!
كل شيء في البيت له بصمة لا تمحى من الذاكرة .
- لقد سمعنا حديثك مع المحامي ، كيف سندبر أمورنا ؟
- الله من يدبر الأمور .
جلس على كرسيه الخشبي قرب مدفأة النفط لائذاً بآخر ذكرى من والدته ، جمع عائلته قربه ، أحس بالدفء والأمان الحقيقي لأول مرة ، هذا اللقاء كان محرومًا منه منذ زمن بعيد لانشغاله بالعمل وعجلة الحياة . 
 - أبي !! أعلم أن هذه المدفأة لجدتي ، وبيتها مازال مغلقًا ، انه كبير ويسعنا.
- نعم أحبتي.. بيت أهلي وذكريات طفولتي .. تناديني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق