الجمعة، 22 نوفمبر 2024

قصة قصيرة تحت عنوان{{آهات من زمن الكبت}} بقلم الكاتب القاصّ الجزائري القدير الأستاذ{{عبد الحكيم فارح}}


آهات من زمن الكبت
رغم المصاب الجلل و رغم الحزن الذي سكن قلبي و لبس وجدان عائلتي و اغتال الفرحة من مساحات حياتي و أعدم  الحبور في مشاعري و أطبق على الابتسامة في شفتاي برحيل أعزّ عزيز علينا و أحب حبيب في عائلتنا و رغم مواساة الأصدقاء و الأحباب و الخلان و الجيران قررت أن أسافر و أرحل و دائما عندي الرحيل استثناء و المدينة قد ضِقتُ بها و بدخان قلوب ساكنيها و برياء من في أحشائها و حوالي حواشيها ، كذب المبتسمون و كذب الرافعون للأيادي من الشرفات و في الأزقة و الطرقات محيون و كذب المتحدثون بأعسل الكلمات في كل ركن و زاوية منتشون كذب كل هؤلاء كما كذب المنجمون  و كما كذب السحرة بأفاعيهم على الفرعون ... 
وتحدثني نفسي فأناجيها لقد عاودني الحنين فرفرف علي بأجنحته الناعمة الدافئة فأسكت فيّ الأنين . فقالت أرحل فرحيلك بلسم قلبك و وفاء نعيم فلا تبالي بأي زنيم تراه في كل ناد
متقوّل فهيم و من أي حبة نبل و شهامة عديم ... فرحلت و لم أختر يوما في رحيلي وجهتي فبوصلتي حنيني و أشواقي فكلما كان الشوق أكثر تتحدد معالم بوصلتي أكثر على وجهة يؤذن فيها القلب بعد حين ...
و سرت أطوي المسافات من جيجل إلى بازول إلى بوطالب فاستفسرت رفيقتي في السفر ذات الملاءة السوداء و الوشاح الأخضر متى يؤذن القلب و يزهر فقالت إرتفع أعلى أكثر فأكثر خجلت أن أسأل رفيقتي ثانية ... و واصلت مسيري ... حاولت أن أسرح قليلا و أعود إلى الأيام الخوالي و آلة العودة إلى الزمن الخالي آفام جيجل فضبطت الموجة و كنت أنتظر لعلي أعود إلى جدتي عبر " مرافئ و أشرعة " أو ألتقي بمعلمي من خلال " قم للمعلم " فلا سرحت في جدتي و لا إلتقيت بمعلمي فلا المذيعة سمعت صوتها و لا أطل القمر و لا استلهمت العبر فعرفت بعدها أن يوسف يأفل كما يأفل القمر و لا يعود إلا بدرا في ليلته الرابعة عشر ..... أغلقت المذياع و واصلت مسيري .. كانت المنعرجات تتلوى أمامي فشعرت و كأنني أسير على ظهر أفاعي و كنت أستنجد بالخضرة على الحواف فتلفني و تهديني أرق النسمات و أجمل الوردات و أعذب النغمات  لبلابل نجت من سهام مجرمي العصافير فعاشت طليقة تشدو للبرية في الوديان و الأحراش و الغابات ... و كلما سرت إرتفعت أكثر فأكثر فنادى المنادي لا علو بعد الآن إنك في قمة القمم برج الطهر ... انحني إلى اليمين فانحنيت و ازداد الشوق أكثر فأكثر و اتجهت بوصلة حنيني إلى اليسار و طالما عانيت من اليمين لأن جلّ أحبابي يسكنون اليمين فأتعبوا قلبي في الانتقال من اليسار إلى اليمين و نادى المنادي و أنا أواصل المسير إلى اليسار هذه أولاد مسعود بلاد الخضرة و الرمان  و التوت البري و الزيتون ... فاندهشت مما رأيت يا سادتي فقد  اصطفت الأشجار و العصافير الناجية في بلادي لملاقاتي فعرفت أن حمزة كباسم يسكن اليسار فلم يتعبه للقفز و الانتقال ... حمزة من ثلة الأخيار للشريعة السمحة من حبه للأبرار و قد اختار أبا و والدا ذات يوم عندما قال " أستاذي لقد توفي أبي و أشعر بعده أنت كنهه فبكيت فرحة و حضنته بحضن الأبوة ثم عرفت لماذا بوصلتي لا تختار إلا وجهة أحبابي دون الأشرار ... و يطل عليّ حمزة بوجه وضاء كالقمر فصفى قلبي من درن المدينة و النفاق فشربت من طيبة حمزة و من لون الخضرة و ورق لون الزيتون و استنشقت من أريج طيبة الجبل و براءة الأطفال لم أودع حمزة على أمل اللقاء و لكن ودعتني براءة الأطفال و سحابات رقت بزخات تبكي آخر النهار فأدركني المغيب و قالت ليتك تعود يا أحب حبيب ... 
بقلمي
الأستاذ عبد الحكيم فارح 

الجزائر 2016 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق