"وَرْدَةٌ على خَاصِرَةِ ضَرِيح"
كانتْ
تميلُ برأسِها
كَأنّها تُهمسُ للتُّرابِ
بأنّ الغيابَ
لَيْسَ أَكْثَرَ من
خُدعَةٍ بَصَرِيَّةٍ
في عُيُونِ البَاكِينَ.
تمدُّ ساقَها اليمنى
إلى شقٍّ
في رُخامِ القبرِ،
كَأنَّها تَبحَثُ
عن ظِلٍّ
لَم تُكمِلْ مَعهُ الحِكاية.
على خَاصِرَةِ الضَّرِيح،
تُزهِرُ
كُلَّما مَرَّتْ
كَفُّ رِيحٍ
تَقرأُ الفاتِحَةَ
بِصوتٍ مبحُوحٍ مِن التَّعب.
الوَرْدَةُ
لا تَبكِي،
لكنّها تُفكِّر:
كيفَ لِزَهْرَةٍ وَحِيدَةٍ
أن تَحمِلَ
وَصَايَا أُمَّةٍ
وتُخَبِّئَها في بِتْلَةٍ واحِدَة؟
الضَّرِيحُ لا يَنطِق،
لكنّهُ يَعرِف:
أنّ كُلَّ حَجَرٍ
في خَاصِرَتِهِ
يَحفَظُ
أسماءَ الذينَ
سَقَطُوا
وَهُم يُقنِعُونَ الوَقتَ
بأنّهُ لَيْسَ سَيْفًا
بل نافِذَةً
مَكسُورَةً
تُشبهُ السَّمَاء.
الوَرْدَةُ،
يا كُلَّ العَابِرِينَ،
ليستْ زِينَةً
بل شَهْقَةُ الحَقِيقَةِ
حينَ تَخجَلُ
مِن الضَّجِيج.
هي لا تَنمُو،
بل تَتَذَكَّر،
كُلَّ يَدٍ
مَسَحَتْ غُبَارَ الوَطَنِ
عن جَبِينِ المَظْلُومِينَ.
هي لا تَفُوح،
بل تَنزِف،
حينَ تَمُرُّ
نَظْرَةُ أُمٍّ
لَم يَعُدِ ابْنُهَا
في آخِرِ الحُلْم.
الرِّيحُ تَسْأَلُها:
مِن أَيِّ جُرْحٍ
صَنَعْتِ عِطْرَكِ؟
فَتَضْحَكُ الوَرْدَةُ
بُكَاءً دَاخِلِيًّا
وَتَصْمُت.
لا أَحَدَ
يَرَى الجَذْرَ
الذِي يَرْتَجِفُ
كُلَّمَا ذُكِرَ اسْمٌ
بَقِيَ مُعَلَّقًا
بَيْنَ شَاهِدِ القَبْرِ
وَصُورَةٍ
أَكَلَ الغُبَارُ مَلامِحَهَا.
الضَّرِيحُ لا يَشِيخ،
لكِنَّهُ يَنُوءُ
كُلَّمَا زَارَتْهُ
كَلِمَاتٌ
أَثْقَلُ مِن الحِجَارَة.
أمّا الوَرْدَة،
فَكُلَّمَا فَكَّرُوا في اقتِلاَعِها،
اشْتَدَّتْ
كَأنّها آخِرُ ما تَبقَّى
مِن مُقَاوَمَةِ الخِيَانَةِ
في وَجْهِ الصَّمْت.
بقلم دنيا محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق