الأحد، 22 يونيو 2025

نص نثري تحت عنوان{{الموت}} بقلم الكاتب السوري القدير الأستاذ{{مصطفى محمد كبار}}


 بقلم ابن حنيفة 👉


الموت 
فإن الموت مثلي لا يحب الإنتظار

الموت ما هو .... ؟
هل هو يشبه شكل الصحراء 
واسعٌ بالفراغ الكبير 
أم هو إسطورة الخرافة و شكل الشبح 
القريب 
أم هو  مثل الحلم الازرق البعيد الشكل
و إن إقترب
أو  ربما يكون مثل المطر الخفيف يسقط علينا
فجأةً و لا  يشعرك بالصدمة بقدومه إليك
أو ربما هو يشبه شكل الظلام المخيف فيعتم
حياتنا و يأخذنا إلى لا شيء 
هل هو سيد الأقدار لأنه يعرف عنا كل شيء 
مهما ابتعدنا عنه بوهمنا التافه
و يعرف أين يكمن نقطة ضعفنا فيرانا من أبعد 
مسافة يقربنا إليه 
فلا نشعر بإقترابه منا و لا نراه و هو يجلس
بجوارنا و فوق صدرنا ليقتلنا بلا
إنتظار  
و هل للموت لديه رؤيةٌ واضحة كي يوحي لنا 
بإنه الملاك الكافر المؤمن بكلِ الكتب 
المقدسة 
فمن هو هذا المخلوق الغريب العجيب الذي يمر بنا 
من كوكبنا إلى كوكبه الأبيض لعالم الغياب
فمن هو هذا الإله النادر الوجود العنيد الشديد
الخفيف ليقتلنا بدمٍ  باردة
فلا يكلُ و لا يملُ من التربص بنا و نحن غافلين
فيصتادنا واحداً واحداً 
فالموت  بلا جذور و بلا أجنحة للطيران فهو لم يلد 
من الكائن البشري و لم يخرج من بيض الطيور 
كي نقول له قد ظلمتنا
و لا هو حيٌ كما الشبح القديم الذي يراقب ليلنا 
بكنائسٍ خاليةٍ من القدسين
فهو الشيء الذي لا يكبر أبداً و لا يصغر و لا يحيا 
مثل أوجاعنا و مثلنا هو
لا يموت 
و أظنه لا يتأمل مثلنا شكل القمر في المساء و لا 
يسكن في الريح و ينتظر طويلاً عودة 
الراحلين 
فما هو هذا الشيء الغامض الكحلي فينا
و الحامض الشرير الشجاع الجبان سيد كل 
الزمان و سيد كل مكان 
فهذا السؤال المحيرين و لا جواب له 
فإنه يأخذنا للمنام بصمت و يخرج من أجسادنا 
كل الضجيج بالصمت ثم ينسانا تائهين عند أبواب 
القيامة و يمضي بطريقه لضحيةٍ أخرى 
ليتركنا في الحجر عدماً 
إنه ضحكة الإبليس بقلوب الظالمين إنه سارق 
القلوب و محارب الإله البعيد 
إنه شرسٌ مرنٌ و ماكرٌ داكنٌ و متكبرٌ على القلاع
و على الملوك من شهقات الجن بألف صلاة و قد 
لا يكون كالملاك
فربما يكون هو شيطانٌ يأتي بصورة ملاكٍ
بريء
فالموت متعدد الألوان و الطرق فهو ذاك اللغز المفقود 
بمشانق أرواح القتلى 
يكون فلا نكون و نحن نكون فهو  لا يكون ربما هذا 
هو الواقع و الشيء الوحيد المغاير 
بيننا
يمضي فلا نمضي  و نمضي  هو  لا  يمضي
فهو يلحن للمسافر لحن الخلود
ثم يجلس على كرسيه و يراقبنا عن كثب و نحن 
نغني أغنية المسافر المتوفي معه و نحن 
راحلون 
لكنه لا يبكي علينا إن بكينا بالوداع فالموت هو قاتل 
الغائبين القديمين و هو قاتل الحاضرين بقدرٍ 
محتوم لا مفر منه 
فهو كالجليد يجمد كل شيء فينا و ثم يكسره بمطرقته
ليصبح رماداً ما داخلنا 
فالموت لا يتسع به سوى خوفنا الشديد و تلك 
التنهيدة من الخوف و الرحيل 
فهو يأتي و يذهب كالبرق دون أن نشعر  
به
فهو القوي المتين الشديد يرتب لنا الشكوك حينما
نشك كي نفهم لغزه القديم 
فلا يحن لأحد و لا يسأل أو يستئذن أحد و هو يسلب 
روحه بوجعه
هو لا يتعرف على أحد إلا عندما يذكر إسمهِ 
بوقت الدفن 
و الموت هو جسد كل بشري في الغياب لكنه 
لا يشعر بأحد إن بكى حين يقسُ عليه 
الرحيل 
و الموت لا ينام مثلنا في الحجر و ربما لا يحلم 
مثلنا ليموت 
فالموت لا ينكسر مثلنا بشيء عندما يحمله الزمان 
إلى الزمان بنظرات الضحية 
فكل راحلٍ من الحياة هو ملكه وحده فهو عابر الزمن 
للزمن بكل ضحاياه
فهو عصا الحاكم و سيفه القاطع للروح و هو المطرقة 
التي تدق فينا مساميره حتى آخر نفس
فهو قوة كل قاتلٍ و هو الجبروت بقتل القصيدة 
و القصيدة عارية الذراعين فهي بسقوطها 
لا تحمل كل ذاكرتنا 
فإن قتل الأرواح حكرٌ  على الموت وحده 
في كل زمان و في كل مكان
فإنه سيد العرش العظيم بموتنا و هو الكلب و الذئب 
بشتائنا يعوي صراخاً بالروح الأبدي
إنه كالضباب يشع منه فراغ الهواء و لا يُرى من أي 
نافذة سيأتي لينتصر علينا
فأنا لا أقول له قف هناك يا موتي و كف عني 
و عن ملاحقتي بعربة التابوت 
أنا فقط أنتظر دوري على درب الرحيل و أراقب الوقت 
بشيب الشعر المبكر 
فأنا مثل الحجر الثقيل بلا مطرٍ  و بلا زاوية و لا ينبت بجسدي عشبٌ أخضر و لا سنبلة بموسم الطيور 
لكي يأكلها الغراب
فيا أيها الموت إنهض من زمن الإنكسار و لا تنتظر 
الوقت البعيد لتقتلني مجففاً ببرودة 
التراب
فمثلي لا يحق  له أن يبقى يصارع السراب بكلام 
القصيدة 
فأعلم كيف أمضي إلى شيء لا أعرف عنه شيء
سوى شيء ما يهدني 
فلا تمتحني أكثر بالوقت بدل الضائع بكل الحكايات 
بكل القصص التي دارت مراً فهي لعنتي  
فيا أيها الموت دعني أنتمي لفوضويتي من الوجع 
إلى الوجع 
و أتحايل عليك مراراً بأرض الهلاك كي أعفو عن 
القصيدة  فتعفو  عني 
فأنتَ أنت هو يا أيها الموت وحدك القادر على حملنا 
للبعيد و أنتَ وحدك كل المعنى حينما نراك 
و ترانا 
و أنت فينا هو الشيء اللانهائي الواسع الضيق بموتنا 
الضعيف القوي 
فأنتَ الغائب و الحاضر المقتول و العامر المتطاير 
المحاير المغاير و المعتاد بأجلنا الحتمي
أنت هو القاتل المتمرس بقتلنا بكل الأيام و أنت دائماً 
هو الشخصُ الوحيد البريء من ببن كل
القاتلين 
فأنت المتسطر على دروب الأرواح و الميسطر على 
الحقيقة كلها 
أنت المتسكن و المتمكن من سحب النفس بلحظة
واحدة من الجسد 
و أنت صاحب السمو ملك الملوك السمين و النحيف 
البطي السريع  بصفحة العمر 
الأخيرة 
فخذنا من هنا إلى هناك لموتك المشتهى بمعجزةٍ
أخرى و اسلم من الوقت 
فالجميع هنا يسألون عنك  يقولون ما هو الموت 
من هو إله موتنا 
و ما هو  هذا الشيء الخافي العنيد بمركبات الريح 
بتوابيت الوداع 
فلا  يجس  و لا  يمس فلا ينسى وقت رحيلنا 
و لا زمن اللقاء إن غفلنا عن وقتنا
قليلاً 
فقل لنا يا أيها الموت المثنى في ضجر الوقت 
عن كل مزاياك العديدة 
فمن أنت و من أبوك و ما هو أسمك بحروف الديانات
فمتى جئت و من أين  أتيتَ بكل هذه القوة و ما هو 
سلاحك القوي و سر نجاحك بقتل 
الأرواح البريئة 
قل لنا ماذا تعلم عنا لكي تقتلنا و نحن ضيوف 
البساطة في الأبدية 
فنحن لم نولد بعد من الحياة لتقتلنا و كل أمهاتنا
ماتزال عذراء 
فمالك غيرنا لتحيا و مالنا غيرك لنموت إن ضاق بنا 
لعنات الدروب 
فماذا يوجد هناك خلف ذاك السواد البعيد الأعظم 
بعالم النسيان في الأزلية قل لنا
و ماذا ينتظرنا هناك من بعد التنازل عن كل الأحلام 
تكلم عن سر جاذبية الحياة في الروح و إلى أين 
سنمضي بعورة الجسد 
فهل سنطوي هناك بظلنا و نشيخ كالقط المعمر  
بصفحة الحياة كي نخلد الغياب فينا
أم سنقول بعضً من الحقيقةِ ببوح القصيدة 
للقتلى القدامى 
و هل هناك يحق لنا أن نتكلم بالعربية و نشكو 
من الخلل في التكوين بزمن الولادة 
أم سيملكنا الصمت برهبتك للأبد بلغة المحبطين 
هناك هل سنبصر وجه و شكل العدم أكثر من الآن  
أم  لا  شيء هناك  لا لشيء ... ؟
فقط أريد أن أطمئن على روحي معك هناك 
من العذاب
فهل بعالم الغياب سيكون هناك لغة نفهمها و 
نتقنها مع الآلهة فبأي لسان هناك الآلهة يتكلمون
و هل يصدقون بوجعنا 
أم يتجاهلوننا و ما هي المدة المتاحة التي سنقضيها بالأحاديث و نحن ضيوف القيامة 
فيا أيها الموت قل لنا بعضٍ من خصائص العدم
و ما نجهله برحلة النعش المحجر
بدنيا المنكسرين 
و لا تكن حجراً يا أيها الموت بقسوتكَ و أنتَ
تسرقنا من الدنيا
فلا تكن قاسياً علينا بيوم الرحيل كن كبيراً 
مع المنهزيمين المنكسرين 
كن شفافاً و ليناً طرياً كظهر القط الناعم بوقت القيلولة
عندما يأمن لك على كل جسده و أنت تأخذ 
منه روح المتعبة 
فيا موتي إنتظر ما يقلل من صدمتي بقدومك
فإمسك بقلبي بيديك بهدوء
كي لا يتوجع قلبي الحزين بفارقه عن الروح الذي 
ضيعته ذليلاً بالنكبات
فقلبي ضعيفٌ بوقت الفراق يا أيها الموت السعيد
عند الجنازات فهو لا يتحمل وداع الروح لأكثر 
من مرةٍ بالعذاب 
فكن شفافاً كالماء يا أيها الموت و رقيقاً 
مثل الزهرة بقبلة الفراشة  
راقص تلك الروح البريئة كالفراشة عندما تلامس 
نبضه الأخير 
حتى نراك عن كثب و أنت تنفض الروح من الجسد 
بلحظة اللقاء فنبتسم بوجهك فرحين بقدومك 
هناك
فحافظ على المسافة في الغياب بينك و بيننا و 
إنتظر حتى نستوعب هلاكنا البعيد 
فلا تأخذ كل الهواء من كبدي و من صدري 
دفعةً واحدة فتقتلني خنقاً 
إنتظر ريثما أرتب لخيبتي تلك وصيتي الأخيرة 
حتى إنتهاء آذان الفجر ما بعد الغسق
فكل شيء هنا زائلٌ و كل شيء يا أيها الموت
له نهاية قاسية تلخص كل وجع
فأعطني قليلٌ من الوقت يا موتي القديم 
دعني أرتب كل أشيائي و ألقي بنظرةٍ أخيرة على 
شارع بيتنا و من شرفة بيتنا 
لأتفقد أثر الذكريات و بقايا من ذاكرة إمتلئت
بالراحلين 
دعني أتأمل صورة المكان بذاكرتي قبل
رحيلي 
فأنظر إلى إنارة أعمدة الكهرباء و أصغي لسكون 
الليل بروحي المتهالكة هكذا أرتاح أكثر 
و أستكن
دعني أعيد الوقتَ للوراء و أراجع صور ذكرياتي 
كلها و تلك لحظات العمر بتلك السنوات الطويلة 
بالاوقات المشاغبة مع الملائكة 
دعني أخرج من البيت بذاك المساء بكل ضجري
كي أركض حافياً طفلاً يعتلي جدار الخيال و يتسابق 
مع حلمه البريء قبل لحظات الإنتحار
دعني أستنشق رائحة أمي من جدار بيتنا القديم 
و أرى شكلها فأتخيلها من جديد 
بذاكرتي 
اتركني كي أرجع إلى زمن أبي المكسور هناك حيث
كنت هناك حيٌ كما الشمس الظهيرة
دعني يا أيها الموت أن أعتذر بشدة من وداعهما 
عن غفلتي فأبكي على من خذلوني برحيلهم 
نحو البعيد قد هجرتني كل الحياة 
فتوقف يا أيها الصارم الحازم العازم على ملاحقتي 
بسيفك الطويل حيث جنازتي 
فمالك تحشرني بين يديك و لا تفك و تهدم أسوار 
حصاري فأينما ذهبت لك من جسدي حصتك 
محفوظة 
فهل مازال لدي هناك بعضاً من الوقت يكفي لأنهي 
عمل شيءٍ ما ....... مثلاً 
كتابة قصيدةٍ طويلة لا تنتهي و أخرى تحكي 
عن الحقيقة و عن سيرتك الذاتية 
فهل حفظت ملامح و شكل الطفل الذي قتلَ في داخلي 
بأيام النكسات و لم يمت بعد 
فيا موتُ إنتظرني كي أجمع كل حقائب الوداع
و لا تستعجل و تستبق الأمور كقدري 
فتسرقني على العجل
دعني لجرحي لساعة واحدة كي أُودعه كما هو يريد 
كي يشبع من حصته من قلبي و يرحل معي
للغياب 
فدعني قليلاً لقهري الأبدي لجرحي العنيد لعذابي 
الطويل الشديد مع الفواجع
اتركني ساعة أخرى لتعبي و أملئ فراغ حياتي
و دعني أستميت حزناً في دنياك و أرجع 
لشغبي
لدمعي
لحسرتي
لإبتلائي البعيد بكل جنازات الراحلين لعشرتي بالفشل 
مع الناس المقنعين  
دعني لنكبي لعطبي لتلك الروح المتهالكة في الوجع 
من الخذلان لثقل الأوجاع بكل المحن في 
رؤآك لمأساتي 
لمعاناتي لتكلبي في الأوجاع لسنين الملامات
في زمن إبتلائاتي 
و للومي و لكل الحماقات لإعتباراتي المأكدة 
بعمر الألم 
و إنتظرني كما أنتظرك طويلاً لأشكرك يا موتي 
هناك فقط 
إن منحتني قليلٌ من الوقت أكثر بوقت سفر
جنازتي بالخيبة 
فمازال لدي فكرةٌ قديمة تدفعني بالخطوات لأشعل
محرقة ذاتي 
لدي رغبةٌ في الكتابة و البوح بما يداعبني من الوحي
الصادم بلغة الكلام و الخرف
تمهل قليلاً سأكون أول من يرشدك لنقطة ضعفي 
حينما أنتهي من الفراغ و من العبث
فدعني ألبس لك طقم زفافي الأسود و قميصي 
الأبيض و ربطة العنق الأسود بالكحلي 
سأكون سعيداً لو أني لم أشكو في طريقي إليك
من الكآبة و أنا أسافر معك 
دعني أضع ساعتي بيدي و خاتم إصبعي و
أرش بعضٍ من بخات العطر الفاخر على جسدي
كي أكون حراً و أنيقُ المظهر بيوم عرسي 
المفجوع
فلا تستعجل برحيلي ياحاكم رفاتي يا قبلة المماتِ 
يا سيد العرش بهريمتي
فمازلنا نملك الوقت الكافي لنكمل معاً مشوارنا 
الطويل
فأنا أحتاج قبل الرحيل أن أنجز ما يريحني بآخر
الأشياء 
أن أحضر لنفسي فنجان القهوة المعتاد عليه فأشربه 
بآخر وقتٍ بقي لي
و أن أدخن سيجارة التبغ من نوعٍ فاخر  أمام صورتها 
و لآخر مرةٍ لأتذكر هناك انكساري
من كانت تشرب معي قهوتي قبل رحيلها بالأمس 
البعيد من كانت تغني حباً بألحان
الصباح 
فدعني أنفخ من ذاكرتي دخان إحتراقي بالحسرة
و بالغضب على الخسارات الكبرى 
فمازلت أبحث عن كل شيء ملائم يؤنس وحشتي
بسفري الطويل شيءٌ ما يكون مناسباً لصورة 
الحياة المفقودة 
أريد أن أكون أنيقاً عندما أستقبل قاتلي سيد الغيب
ذاك الزائر العنيد قاضي القضاة بإعدام 
البريء 
فدعني يا أيها الموت أن أصفن لبعض دقائق 
معدودة فقط 
لأكتبَ خُلاصة الكلام على مرآة البيت و أمسح 
ما فيها من بقايا الصور
و أن أقرأ في المرآة عن قصيدتي القديمة
صرخة الروح 
و أعتذر من نفسي طويلاً و من العمر الذي بكى 
بالحزنِ معي طوال السنوات فلك الخيار و 
كل الوقت 
سوف أترك تلك القصيدة في المرآة محفوظة
بصورة انكساري للأبد 
حتى إذا وقف ولدي أمام المرآة بكل صباح 
يتذكرني بخير 
فيقول للمرآة هذا هو أبي ملامحه صورته قصيدته 
و ذاك فجره المكسور يوحي بتاريخ وفاته 
كيف  أتذكر سقوط أبي
فهل ولدي سيفتخر بي يا أيها الموت من بعد 
مماتي و يفهم حقيقة الحياة 
فدعني أفكر و أفكر طويلاً بكامل الواقعة 
و أسأل نفسي يا أيها الموت
لما أنا جئت إلى الحياة و و لدتُ بقلبٍ مكسورٍ 
و محطم فلما كسرتني العناوين 
كلها 
فما هو ذنبنا الكبير مع هذه الحياة الملعونة 
التي أرهقتنا مع الأيام فعش ساعةً 
أخرى 
كي أودع أهل بيتي و أحفادي و أقبلهم  واحداً  
واحداً 
و أنحني لزوجتي و أودعها بطريقتي إن بقيت 
معي و بحلمي
فلن أنسى أولادي و إن سكنوا مع زوجاتهم في 
بيوتهم و نسوا زمني كله و طريق 
بيتي
فمازال لديك الوقت الطويل الطويل يا أيها الموت
لتجر  بروحي كالشاة المذبوح في المدى
فكيف ستتحمل دموع ولدي علي و حزنه 
فوق جنازتي
كيف ستتحمل صراخ إختي و عواويلها مع إبنتي 
الصغرى علي بوقت الدفن إن وجدوا
قبري هناك
فمن أنت يا أيها الساطع في شمس الظلامات 
حتى تزورني بثوب التملك
فأنت يا أيها الموت بقسوتك لا ضمير لك و لا تملك 
قلباً مثل الملاك كي تلوم نفسك 
فيا ليتك ذقت مثلما تذوقه للأموات حتى تعرف 
بأي وجعٍ يموتون
فإنتظرني يا أيها القابع فوق صدري
سيكون هناك لك كل الوقت لتنجز عملك بجسدي 
و تستريح من العناء و من الشقاء 
في الإنتظار
فإني أراك واقفُ فوق صدري و تراقب غفوتي 
عن كثب
كن عادلاً مثل الريح و عانق الغيم مثل المنام 
مع روحي المتعبة و إدخل إلى معجزة إنكساري 
مثل الضباب
و حلق بي لسابع السماوات فوق كل الكواكب 
فوق كل النجوم و خض التجربة
و لا تستئذن عابراً هناك مرَ بالجوار من الخيبة 
في طريقه و هو يبكي
قل لي يا أيها البعيد القريب هل سننجو من الإحباط 
و من خيبة الأمل بموتنا
و هل هناك لنا بعالم الغياب ذاكرة ستدركنا 
كي نصحو من العدم
أم إن للراحلين زمنٌ طويل في الحجر و عبثٌ الندامة 
بحضن التراب و لا نجاةٌ هناك
و حلمنا الخاسر من الفراغ الأبدي من يحمل ذنبه
لا شيءٌ آخر  لا شيء
فإنتظر يا أيها الموت إنتظر علامك ترفع بوجهي 
سيفك المسنون لتذبح ضحيتك 
إنتظر حتى أعتذر من أمي بخجلي بحسرتي
بدمعَ لوعتي
لأني لم أحمل نعشها لمثواها الأخير و لم أكن موجوداً 
بوقت دفنها حينذاك
فتركتها بين أيدي الخيبة و حسرتها تموت لوحدها 
فجدران المنفى من كان يحاصرني بقسوته و 
قيدني بالهلاك
فيا أيها الملاك عن ماذا تبحث في نعشي القديم 
قل لي كيف أغتسل مع جنازة أمي و أصلي 
بوضوئها و أسجد لله
فيا الله لما خذلتنا و أحرقتنا في الشتات و الضياع 
لما فرقتنا عن بعضنا
هكذا 
لما لم تقربنا من باب الحياة يوماً فقتلتنا و نحن 
محرمون من حياتنا منذ البدايات 
فيا أيها الموت كيف لا أبكي يا أيها القاهر الحقير 
إن قتلتني مجدداً 
فدعني هناك هناك يا موتي كي أسقي قبر أبي 
بقليلٍ من الماء و أجهش بصورة 
الفاتحة 
لكي أعود طفلاً يلعبُ برائحة والديه الراحلين
فكم مرةً يجب أن نموت معك يا أيها الموت
كم مرة
كم مرةٍ سنمثل دور الموت بجسد الأحياء 
و  بهذا العمر  
فخذني إليك كواحدٍ من أهل النسيان و إقتلني 
يا أيها الموت و أنا على قبر أبي 
كي أنام بحضنه و أبكي له و عليه و أخبره عن شر  
الحكايات بمر السنين و عن الطعن الكبير 
بسيف من كانوا أصحاب الروح
فالقد سبقوك إلى جسدي و لتلك الروح المتهالكة
و كم أجهدوني بالطعنات
قد سبقوك كل الأحباب القدماء و الخلان و تلك السماء 
و كم قتلوها بتلك الروح المقتولة 
فكل العابربن قد قتلوني بسيف الغدر قد قتلوني 
و مضوا بنعوتي من حياتي فرحين
فما أغباك يا أيها  الموت و ما أجهلك فماذا 
تنتظر
فربما لم يعد  لك دورٌ بحياتي لتكون سيد الإسطورة 
إلا بخبر الوفاة و خيبتك
قد أحرقوا فيني كل الحياة و أهلكوني بنيران الغربة 
و كم قد قتلوني بألف موت
فلا أريد أن أموت أكثر و أكثر  بنفس و ذات 
الوجع
فكن برفقة الروح مسامحاً كريماً و مختلفاً و لا 
تعذبني كما الأخرين عذبوني
قل يا أيها القريب من تكون و من نحن نكون
و لما كلما جئتنا سفاحاً تكالبنا 
فلا تستئذن أحداً و لا تطرق باب أحد كضيفٍ 
محترم أضرب بعنف كل الزمان
فعند جدار الألم نحيا فلا نحيا فكن شريفاً مع الألهة 
بضجر موتنا فلا تدع فرصةً لمخيلتي أن تشرق
مع القصيدة 
فخذ  ذمام المبادرة وحدك و أقسم المقسوم 
بالهلاك 
حطم ضوء النجاة بقدميك و زلزل قيامتي 
حتى السقوط الأخير
فلا ترفق بحالي كن ذابحاً ماهراً و ذو حكمة 
فإني مازالت مستعمرة الحزن المقلد 
بزمن التشرد 
مازلت أرشفُ من جسدي غبار اليأس و تصدع 
اليقين
فهل حقاً أنا مازلت موجوداً في الحياة هنا 
و أنا الحي
فيا موتي إنتظر فهناك عبثٌ طويل بالعمر
و لعنة العابرين
فأحمل خيبتك يا أيها الموت من حضوري فالمكان 
هو مكان الأثر 
فخذ من جسدي حصتك و حررني من الضجر 
أغرني بدهشتك القاتلة و أدفئني بظل 
الخلاص
فلا سبيل للنجاة إلا معك لا دروب للاحلام في المدى  
إلا دروب هزائمك
فأحمل كل ضحاياك مني كما تريد و إلى أي وجهةٍ
أو عنوان ٍ تريد
فقد دار الزمان بمره بكل السنين و لم يحالفنا الحظ 
يوماً أن نبتسم بغيابك و قد ضاع منا الحنين 
خلف الذكرى 
فلكَ منا ما لكَ من جسدنا و لنا منك ما  لنا 
من وجعك فلا إختلاف لنا معك ها هنا 
لنتخاصم
تكون فلا نكون و نكون فلا تكون تلك هي المعادلة 
و الحقيقة الأصح
فلا نلتقي في مكانٍ واحد نحن و أنت و لا نحن 
نشبه بعضنا البعض 
فأنت كشبح المرايا يا موتي و أنت سيد الهلاك 
و الزمان و نحن نحن  
فنحن لا شيء أمام سيفك فلسنا إلا أبناء هذا الهواء 
و أبناء القهر البعيد في الغياب 
فدعك من الخلل الذي يهدد بالذاكرة و إمضي 
بمهادمي لأخر الطريق و إنهض بما كسرتني
مضرجاً برقصة الأيام فقتلتني
فإن الشرح قد يطول و يطول بنص القصيدة 
التي كتبتْ  
بلا  وعي من شاعرٍ محبط يقلد الوجع الكبير 
لا ينسى صورتك الباقية
فيا أيها الموت تمعن جيداً قبل أن تشلني 
بكل شيء 
فهذا النص الذي قرأته الآن هو نصٌ فاقدٌ للشرعية 
و هو الحرف  الهابط بالمعنى و المعنى لا
أهلٌ له غيرك 
فقل عني  ما تريد  فالقد إرتكبت خطأً فاضحاً 
بشكل القصيدة و بترتيبها 
فالذنب  هو ذنب الوحي  و ليست ذنب الفكرة 
وحدها
لقد كبرتُ بظل القصيدة كاليتيم بلا أهل 
و نسيت هناك من أنا 
فأنا لا يشبهني التحايلُ على البقاء بكفر الجهات 
فالوقت لن يدوم طويلاً بجسد الضحية
فهل قرأت قصيدتي الأخيرة .... ؟
فإن قرأت فلك كل الحق بقتلي و تجريدي من 
عبثية الحياة 
و إن لم تفعل و تقرأها أو إن لم تفهم لغتي الصريحة
فلا يحق لك تسلبني من جدار القصيدة و تحقق آخر 
أمانيك بجسدي
فكيف ستقتل شاعراً كان محبطاً من الرغبة و معذبٌ 
بكل شيء منذ البداية 
فإن كان و لابد أن تنجز عملك بخيبتي و تجعلني 
دخاناً أمام الريح 
فأنجز عملك بروية دون أن تستحي من ظلي
المكسور بهدوء 
حطم بجدار المأساة و بحدود كل اللعنات
و لا ترحم زمني
فإني قد تعبت من كل هذا التعب بهذا الوجع 
الكبير فلا شيء ينبض بهذا 
المستحيل 
اتركني يا أيها الموت لذاتي المعتوه هناك أريدُ أن 
أضع رأسي على حجرٍ و أنام كالحجر 
لأنسى لعنة الحياة  
فالفرصةُ لن تدوم أكثر من مرةٍ للمكسور
الغريب فكن فظاً كي أراك
فأنت مثلي يا أيها الموت القريب البعيد 
لا تحب الإنتظار 
و أنا كذلك مثلك عندما أبكي مع الذكريات 
لا أحب الإنتظار كي أختم 
القصيدة 
فمر يا أيها الموت من هناك إلى هناك كما تريد 
و كما تشاء إلى موتك المشتهى 
و أنفض عن نعشي ما تبقى من غبار جسدي 
بنزعك الأخير بحلمك اللانهائي من 
حكاياتي 
فكن لوحدك حجراً و إنثر بصور الراحلين من قلبي 
المقسوم بينك و بيني و تقاسم معي كل
الوقت 
و إنفجر هناك قبل بداية رحلتي إلى زمنك 
الغامض الكحلي
و لا تنتظرني أكثر في موتي بأيام الإنكسار 
معي كي لا تسقط القصيدة 
فالقد إنتظرناك هناك و إنتظرناك مع القصيدة في 
أيام العدم و انتظرناك
فما أحقرك بإنتظارنا بتلك السنين على طريق 
الرحيل ما أجهلك
فأحمل ضحاياك من جسدي الهزيل و من جرحي 
و مر بإنكساري بما حملتني إلى هناك
قد قتلتني و نسيتني  يا أيها الموت عندما
قلت لي في الموت ما أجملك
و أنا نسيت من وجعي في الهلاك أن أموتَ 
لأحملك ...........

ابن حنيفة العفريني 
مصطفى محمد كبار 
حلب سوريا ٢٠٢٤/٥/١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق