الأربعاء، 9 يوليو 2025

نص نثري تحت عنوان{{طائرُ العنقاء}} بقلم الكاتبة الفلسطينية القديرة الأستاذة{{دنيا محمد}}


"طائرُ العنقاء"

من رمادِ النكرانِ،
ينهضُ الوهمُ، وفي عينيهِ نبوءاتُ الغرقْ،
يحملُ التاريخَ في منقارهِ،
ويُنقّبُ في أحقادِ الدهورِ عن ذاكرةٍ
تستحقُّ الحريقْ.

ليسَ كائنًا،
بل جرحٌ يُحلّق،
لغةٌ تحترقُ كي تفهمَ ذاتَها،
صوتٌ ينزفُ خارجَ المعنى،
وعينٌ ترى الظلَّ وهو يُنازعُ النورَ على اسمِ البداية.

وحدهُ،
طائرٌ لا يصدّقُ الرمادَ،
ولا يعترفُ بالموتِ إلا كي يعيدَ تعميدَ المعنى.
ينقرُ صدرَ الوقتِ،
فيرتجفُ الزمنُ،
وتتعثرُ عقاربُ الأملِ في دورانِها الأبكمْ،
يصرخُ في الفراغِ
من قال إن الحياةَ كانت حيّةً أصلًا؟

كم مرةً ماتَ؟
كم مرةً أنجبَ الحتفُ طفلاً شبيهًا بالحقيقة؟
وكم مرةً تواطأتْ الأكاذيبُ على قبرِه؟
لكنهُ،
في كلِّ موتٍ،
كانَ يكتبُ نشيدًا للنجاةِ على ضلوعِ الحريقْ،
وكانَ إذا احترقَ،
أوقدَ في رمادِه مديحًا للفكرةِ التي لا تموتْ.

طائرُ العنقاء،
ليسَ طيرًا،
بل استعارةُ الوعي حينَ يتمرّدُ على نفسه،
حينَ لا يكونُ الخلاصُ بابًا،
بل سؤالًا تُرمى مفاتيحُه
في سراديبِ الحيرة،
ويمضي العابرون حفاةً فوقَ صمته،
ظانين أن الجوابَ طللٌ فوق الرمالْ.

يحترقُ ليحترقَ فيه العالمُ،
وينهضُ ليعرّي سوءَةَ الحقيقةِ بثوبِ الرمادْ،
يصلبُ ظنونهُ على أسئلةٍ بلا أسماء،
ويعودُ من النفيِ
كأنهُ الدليلُ على أنَّ المعنى
يحتاجُ للموتِ كي يُترجمَ إلى وجودْ.

لا يسكنُ عشًّا،
بل يسكنُ الحيرةَ بينَ الفناءِ والخلود،
بينَ أن يكونَ اشتعالًا مؤقتًا،
أو وهجًا سرمديًّا
ينكسرُ على شفاهِ السؤالْ.

العنقاءُ
ليستْ مجازًا فقط،
بل شيفرةُ البقاءِ لمن أدمنَ السقوطَ،
وصارَ ينهضُ
ليس لأنّ النهوضَ فضيلة،
بل لأنّ القاعَ لم يعُد يَسَعُ الرؤى.

هي فكرةٌ
حينَ تكتُبُها النارُ على ورقِ الوجودِ المبتلِّ بالوهم،
تصيرُ نبوءةً تمشي في جنازةِ الوقت،
تمسكُ يدَ العبث،
وتهمسُ في أذنهِ
كلُّ ما مضى مقدّسٌ ما دامَ يحترقْ.

طائرُ العنقاء
هو مَن يقطعُ جناحيهِ
ليصنعَ منهما قاربًا للعبورِ نحو اللازمن،
يكتبُ من نزفهِ كتابَ الحكمة،
ثمّ يرميه في النار،
لئلّا يُقدّسهُ من لم يذقْ اللهيبَ.

العنقاءُ،
هي القصيدةُ التي لا تُكتَبُ،
إلا حينَ تُحرَقُ كلُّ الكلمات.

 بقلم: دنيا محمد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق