الأربعاء، 6 أغسطس 2025

نص نثري تحت عنوان{{تخيل معي}} بقلم الكاتب السوري القدير الأستاذ{{مصطفى محمد كبار}}


تخيل معي

قف لوحدك و لوحدك و وحدك
في الخلاء 
و تخيل بأنك في الكافتيريا جالسٌ وحدك
و أنت تقرأ جريدة الحياة 
و أمامك فنجان قهوه و كوب ماء وبين أصابعك
سيجارة تنفخ بإحتراقها غيماً
فماذا كنت تقرأ هناك لوحدك يا أيها البعيد 
في الجريدة و ماذا تنتظر  لا شيء
لاشيء 
فهل وجدت بعض العناوين الضائعة بين الكواكب 
أم فقط 
قرأت نعوة الوفيات و نسيت أن تخبرني
بوفاتي

فراغٌ  فراغٌ  فراغ

قف لوحدك في الخلاء
و تخيل بإنك تشاهد مسرحية مضحكة جداً 
عن حياتك البائسة و اضحك لنفسك
و لوحدك 

قف لوحدك  في الخلاء 
و تخيل بأنك مازلت حياً و لك حياةٍ و أهل 
و أبناء و أصدقاء و جيران طيبين و عندك
سيارة و مال في البنك
تخيل بأنك مرتاح في حياتك و لا شيء 
يزعجك
لا أمراض
لا طعن
لا خيانة
و لا انكسارات مع الكلاب بزمن الكلاب
افرح
ابكي 
اضحك على خيبتك مع الخيال فلا أحد
يراك هناك في العدم 
فتلك إحدى صفات الغيب ترى كل الأشياء 
دون أن تُرى 
العب كالأطفال مع نفسك هناك و ارسم حلماً 
بعودٍ على التراب قبل موتك
الأخير 
اركض خلف أثرك الطويل في التخيل أو خلف 
أثر رحيلك من عالمك المر 
عانق هناك كل الشهوات بداخلك ارفض غيابك
و غدر الآخرين لك 
سجل أغنية للخلاء دون صدى و بلا كلمات 
أو مارس الجنس مع المطر بمسائك
الطويل 

قف لوحدك هناك في الخلاء 
البعيد 
قدم نفسك بأنك سيد مملكة الغياب 
و لديك حاشية و خدم و جواري يقومون 
على خدمتك يا سيد هذا السراب 
أو قدم لنفسك باقة ورد معطرة و تخيل بأنك
 تقف أمام باب الإنتظار
تخيل لو إنها قدمتها لك إمرأة كنت تتخيلها 
بأيام شبابك فإنكسرت بحلمك هناك
و لا تشكرها 
لأنها لن تسمع سوى صمتك في البكاء و لإنها
خذلتك بذات يوم 
تخيل كل هذا المشهد و كأنك تشاهد فيلم 
رومانسي غربي 
و أنت البطل الوحيد الذي يمارس بالفيلم
كل الأدوار لوحدك 

قف لوحدك في الخلاء
و تخيل بأنه لك وطنٌ و مسكن و عمل دائم
تذهب إليه بكل صباح و تعود إلى البيت 
بيتك 
و ليس بيت الآجار  و يستقبلونك اولادك الصغار 
و زوجتك الجميلة و هي تبتسم بوجهك 
المرهق و لو كذباً 

قف لوحدك عند باب المسجد  
في الحي الذي تسكنه و فكر بأيام العمر التي 
عشتها في الذل و مازلت 
تعيشها
قل في نفسك كل أيامي بالعذاب و بالفقر 
كانت أصدق من كل الصلوات

قف لوحدك في الخلاء 
تخيل لو أنك لست هنا في مكانك مع
الوجع و الخذلان
فكر  مع نفسك أي مكان يتناسب مع حياتي 
قل ربما لست أنا من كنت أبكي أو ربما
أنا هو 
و انظر  حولك ربما يكنون هناك من يراقبونك
لا تبالي لهم 
فالخيال ملكك وحدك لا أحد يستطيع أن يصل 
إلى مكان ما ذهبت إليه 
فقل لذاكرتك شكراً لأني كنت وحدي
بعيدك

قف لوحدك في الخلاء البعيد 
و تخيل أنك مع فتاةٍ جميلة على شاطئ
البحر 
و الوقت في ساعة الغروب نصف الشمس 
صفراء و نصفه الآخر حمراء 
و البحر لونه أزرق و الشمس شقه إلى نصفين
بأشعته الراحلة 
فهل فكرت يوماً بإجازة بعيداً عن الضجيج 
و كل أحزانك و لو ليوم واحد لنفسك دون 
أن يشاركك أحد 
و هل سألت تلك الفتاة معك من هي 
و من تكون 
إن كانت من الملائكة فحررها مع
الأماني 
و إن كانت من الأشباح مدها لآخر الليل
كي تنام مع الريح بها
و إذا كانت من بلاد الشقاء قبلها حتى يغمى
عليها 
بعدها ضعها بقارب صغير و ادفعها بهدوء
نحو الأمواج 
و ودع هناك من جعلتك إنساناً لبعض اللحظات
و عد إلى واقعك القديم المر 
و لا  تتخيل بعودتك بإنك عدت مع القصيدة 
ترجو النجاة من صدى
الكلمات 

قف لوحدك في الخلاء البعيد 
و تخيل بإنك نسيت طريق عودتك إلى
حياتك العادية 
قل لذاكرتك كوني حجراً كي أبقى حياً
فلا  انكسر بصحوتي
كالحجر 

قف لوحدك في الخلاء البعيد 
قف قليلاً أمام الريح و افتح بذراعيك 
نحو السماء 
راجع كل الذكريات الجميلة التي كانت 
تمعن بألف صورة مرت سريعاً 
غرباء
اصغي إلى أصواتٍ كانت تهمس لك بكل
القصص و الحكايات 
و اسأل خيالك الواسع قل كيف تلاشت 
وراء السنوات كل الأسماء 
ثم عاتب نفسك بنفسك و انفجر حجراً 
قل لوحدك 
لقد جرحتني من جديد فأعدني إلى زمن 
النسيان حتى أشعر بمكانتي 
الطبيعية 

قف لوحدك في الخلاء البعيد 
و فكر بأنك لوحدك  فلا أحد يحمل 
وجعك غير وحدك 
فكن دائماً وحدك و لوحدك يا أيها المنسي 
المتناسي وحدك و قل للقصيدة 
شكراً لك 
لأنكِ نستني و تذكرت كل حياتي 
عني ........

ابن حنيفة العفريني 
مصطفى محمد كبار    ٦ / ٨  / ٢٠٢٥

حلب سوريا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق