الاثنين، 15 سبتمبر 2025

قصة تحت عنوان{{ليلةُ الكشفِ المرعب}} بقلم الكاتب القاصّ اللبناني القدير الأستاذ{{محمد الحسيني}}


 الفراغ ينظر إليك 2

"ليلةُ الكشفِ المرعب"

(دوائرُ الخوف ــ الحلقة الرابعة)

الساعةُ الثالثةُ فجراً... دقيقةٌ واحدةٌ وثلاثُ ثوانٍ،
والمنزلُ يتنفسُ كجسدٍ مُنهك،
كَرئتَين تختنقان في ظلامٍ رطب،
وأحلامُ أبي وأمي تتسرّبُ عبر الجدار،
تسري في كوابيسي كدخانٍ سرّي،
وهما لا يعلمان أن ابنتهما،
تُنشِد نبوءَة الفناء بصوتٍ متشظٍّ،
صوتٍ يترنّح بين بكاءٍ وهمسٍ مذبوح.

فتحتُ الصفحة 127... لا، 721... لا ،217 ... لا ، 712 ... لا ، 271 ... لا ، 172 ...
الأرقامُ تتهامسُ كأرواحٍ هاربة،
تتلوى أمام عينيّ كأفاعٍ فسفورية،
تتبدل بإرادةٍ لا أفهمها.
والوقت... الوقت يتراجعُ إلى الخلف
مثل جرحٍ ينغلقُ على قيحه،
كل ثانيةٍ تسحبني أعمق
في دوّامةٍ لا قرار لها،
في كتابٍ ملعونٍ يتنفسُ من ذاته :
"عندما تنتهي الدائرةُ الأخيرة،
ستصرخُ الخليةُ الأولى،
والمجرّةُ ستسمعُ نداءها الأخير،
صرخةً تُثقبُ أبعادَ الزمكان،
ثم تسقطُ في عينِ الفراغ...
العين التي ترى كلَّ شيءٍ وتبتلعه."

لكن... مَن كتب هذا؟!
هذه ليست محاضراتي في البيولوجيا الجزيئية،
هذه شيفرةُ كَوْنٍ يتفتّتُ،
صوتُ شيءٍ أكبر من عقلي،
أعمقُ من إدراكي،
كان يكمنُ في رأسي،
مُتخفّيًا بين طياتِ أفكاري،
حتى أفصحَ عن نفسه في هذه الليلة.

رنَّ الهاتفُ... الساعةُ 3 و33 ثانية.
لا أحد على الطرف الآخر.
غير أن الهمسَ يتدفّقُ كأمواجٍ نجمية:
"الدوائرُ تنتظركِ يا لارا...
كانت تنتظركِ منذ الأزل."
الصوتُ... يشبهني،
لكنه آتٍ من هاويةٍ بلا قاع،
من ظلامٍ يبتسمُ بأسنانٍ لا تُرى.

المرايا تتشققُ بنورٍ غريب،
تعكسُ نسخًا مني
تقرأ الكتاب في آلاف الأزمنة،
كلُّ انعكاسٍ أشدُّ وحشيةً من الآخر،
وفي كل مرآةٍ... عينٌ فارغةٌ تُحدّق،
عينُ الفراغ.
والكتاب... الكتابُ يُقلبُ وحده،
صفحاتُه تُمسَح بأصابعَ خفيّة
كأن يدًا من ضبابٍ تُداعبُ الورق.
يحكي لي قصةً لم أخطّها يومًا،
عن نهايةٍ ستُزهرُ هنا،
من هذه الغرفة، من هذه اللحظة،
حينَ فهمتُ أن الكاتبَ والقارئَ واحد،
وأنّ مصيرَهما... مصيرٌ مُشترك،
ينحدرُ معًا إلى النقطة السوداء الأخيرة.

"وأنت... لا تقرأ الآن — ألقِ الكتاب من يديك فورًا. الحروف دوائرٌ مسعورة تلتهم عينيك ..."

✍️ محمد الحسيني ــ لبنان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق