السبت، 19 يوليو 2025

نص نثري تحت عنوان{{على جدار اليأس}} بقلم الكاتب السوري القدير الأستاذ{{مصطفى محمد كبار}}


على جدار اليأس

إنها شهقة بومٍ بليال الضجر خلف
الظُلمات
إنها تردد الصباح على حدود الأمنيات 
الخالية من الأحلام
إنه سفر شاعرٍ نحو البعيد ذهب مع الريح 
بلا عنوان لأرض الكنايات 
فهي رقصة الاشباح الحالمين برائحة الموت 
بنكبات المقتول على درب العذاب
إنه وجع قلبٍ بريء لم يحالفه الحظ مع الموتى 
ليشارك في الأحاديث القديمة 
إنها كتابات ليالي السخرية في مر الإنتظار
كمعلقات اليال السيع الأخيرة لكاتبٍ معتوه 
غريب
هل هي كتلك اللحظات التي تمر بنا إلى حيث 
لا نريد أن نكون  
أم نحن نتحايل على اللحظات التي تسرقنا 
من ضجرنا راحتنا المنتظرة
كان و كنت و كانوا و كانت أنا هو و آخري الأحمق 
المسافر لعالم النفايات
فأقول لمن أجهدوا بروحي المتعبة المتهالكة 
و ناموا واقفين بفراش موتنا 
آخري هو لا يقول لنا خبراً عن زمن المعجزات 
و المعجزات هي عدمنا البعيد 
و القدماء هم القدماء الذين رحلوا قبل أن نقول 
لهم خذونا معكم إلى جهة الريح كي
نستريح من غيابكم 
فهناك موتى على قمم الهاوية برسم الإحتمالات 
بلا دفن و هناك غائبون
فعلى جدار اليأس مدونٌ كل العناوين الضياع 
كوصية شغب الفيلسوف حين يدغدغه 
الوحي من الإحباط 
و الفيلسوف لا صدى له فهو صاحب الطريق 
للكلام
فوحده الذي يتكلم عن الحقيقة في زمنٍ
لا معنى كلام فيه 
فهو الوحيد الذي يمشي على الطريق المسافات 
البعيدة
و هو الوحيد الذي لم يبلغ جسد فكره في الطلاقة 
ليخبرنا كل الحقيقة
مالحقيقة غير موتنا الطويل المؤجل و نحن نزرع 
فوق قبورنا زهرة البنفسج 
و أنا كما أنا كما القصيدة نعلم معاً جيداً بما جرى 
هناك من الحقيقة 
و كم نعلم و نعلم و نعلم كيف كنا لعبةٌ بيد الشياطين 
الجدد و كيف أجهدنا الهلاك بذاك الرحيل
حتى بلغنا اليقين من بعد الإنكسار ماكان و مالذي 
جرى قد جرى علينا بالهلاك
فأناياي البعيد هو الغريب و أنا البعيد  أنا القريب
من ذاتي المكسور 
فأنا و أناياي كائنان مازلنا نعدُ بالخطوات على 
دروب الملح المكسر ثم نبكي على الخسارة
المتكررة  معاً
فهل أنا ولدت من الحجر رجلً أم أناياي هو الذي
ولدَ من جراحي القديمة  فتكهل من قبلي 
لكنه يبقى هو آخري الشخصي فقد علمنا هو كيف 
نصنع بزمن الهزائم رجالٌ من الكلام 
و نحن نحن مازلنا هنا كما نحن نجهز أنفسنا لمساء 
آخر يحمل بقايا حكاياتنا
فلنا أحلامنا الكبرى أن نحيا قبل موتنا معافين
قليلاً من الخيبة 
و لنا  أحلامنا الصغرى أن نمضي إلى أن لا
نمضي كغرباء 
فمازلنا ننفض غبار الركام من جسد القرابين البعيدين 
مازلنا ننكسر بالقلوب حجراً 
و نحن نحمل عبء الجراحات كوحيدين بدروب
المنفى و نمضي في سبيل الذكريات 
بثقل الوقت 
لا صحة للأنباء عن خبر وفاتنا الأبدي هناك 
فنحن قد نسينا موتنا الطويل في موتنا القديم 
و لذنا نخوض بحروب العاطفين الأوائل 
الطيبين 
و مازلنا نحن نسير فوق الريح كالغيوم المقلدة في
السفر  التي دارت بالسفر بلا هدفٍ
فمازلنا نجرُ بالنكساتِ كل جراحنا و مازلنا نهرب 
من اللاوقعي إلى واقعنا الأليم 
فهناك الكثير الكثير من الكلام كان يجب أن يقال 
و هناك خجل الليل البريء الشريد  من 
لعنة البكاء 
هناك خاطرة مدونة بدفتري من الكلام البسيط 
المباح دونت كشبه خيال على باب الوحي و هي 
تمضي بالأوجاع على الأسطر المتتالية 
و خلف الوداع هناك زحمة الضجيج بموكب 
متوفي حي لا يموت 
و هناك رحلة الشقاء لنملٍ تتسلق جسد النعش 
لتسرق من حصتها الأخيرة فلا 
تبشر بالخير 
هناك لنا أغنيات الأحزان بطريقٍ طويلٍ طويل 
مازلنا نغنيها
أنا و القصيدة بجنازة المشنوق نمضي على طريقٍ
طويل لا يؤدي طريقه إلى جسد إمرأة 
إمرأة بقيت تلهو بلا أفق هناك و هي تمدغ بظل 
ليلها المكسر بشيخوخة النسيان 
و بيننا جدارٌ من الوجع يحجب لقائنا البعيد 
البعيد و طول السنين 
فالبعيد عن البعيد بعيدي فهو البعيد الذي لا يدل 
على درب صورته 
فهل حقاً أنا كنت هناك أحرس زمن الذي يمضي 
و لا يمضي 
فكلما تذكرت بأني لم أمت يوما ارتطمت بنجمةٍ 
و أجشهت بالكلمات بأوجاعي خلف 
الراحلين 
صرت أبكي مجدداً و أنبح هناك في القصيدة على 
الذكريات و على ذاتي المفقود و صرت
أحجمُ بسقوطي
فعلى جدار اليأس كتبت ملحمتي شعراً من حجارة 
غربتي و مضيت من هناك إلى هناك سراباً إلى مكانٍ 
بعيد لا يدفئ الروح
فقليلٌ من الصمت يكفي لكي أجمع تلك الصور 
المبعثرة في ذاكرتي 
سأرحل لحدود النسيان لوحدي و سأرحل من رحلتي 
الطويلة إلى رحلةٍ اخرى أبدية
و سوف أترك كل قصائدي في عش الحمام المهجور 
بجدار البيت الذي هجرناه
سأمشي راكضاً و زاحفاً لأخر الهزائم بجسدي
و سوف أحتكر بممشاي الطويل صورة
الإله البعيد 
و أفكر  في الإنتحار ندماً فهل أنجو من وجع 
الشيء إلى اللا شيء
أم أتجاهل كل ما يدور في مخيلتي و أشرب 
كأساً من النبيذ 
و أنا أرقب شكل المساء لساعة أخرى و أنا أراجع 
أسماء الراحلين 
فعلى الوقت أن لا يأخذ من حصتنا كله و يمضي
لينسانا بين جدران النسيان 
فأترك لنا يا أيها الوقت بعضً منك لنحيا بالقليل
فقد إمتلئنا بزحمة المسير بأوجاع  
السنين 
و قد ملكنا لوحدنا من الهلاك حصتنا و حصة
الآخرين البعيدين 
سأبكي 
سأضحك 
سأصمت بآخر قصيدتي و سوف أرحل من عبثية 
اللاوقت من زمن الغرباء 
سأترك ورائي باب القصيدة مفتوحاً أمام 
الوحي الإلهي 
فقد يشتاق الغياب من بعدي إلى وجعي فيقرأني 
حرفاً و ينسى زمني
فربما تحملني المقابر لحضنها كشخص غريب لا 
يصرخ في المساء و ربما لن تسأل عن أسم المتوفي 
الغريب و من يكون 
و قد ينبت بيومٍ ما بعد موتي هناك على قبري 
سنبلة صفراء من الجفاف 
و ربما قد يأتي على الموتى زمانٌ لا وجع فيه 
قلت ربما 
عندما أرحل من وجع الحياة بكل إنكسارتي و تغلق 
السماء صفحة الغائبين و ينتهي الععر بشروده 
من المهزلة
ربما سأكتب بعضٍ من العبارات المنسية من نسيان 
الزمن التعيس 
لكن أنا لا أعلم من أنا فعن ماذا سأكتب و كل حروفي 
هي من أوجاع الألم و من الذكريات الأمس الذي
كسرني 
فهل أكتب عن بلدٍ ضاع و تلاشى أم أشد على صدري 
وجعاً و أحمل بالقرابين الجديدة لمقبرة أخرى 
نكست بالأموات القدامى 
و ربما قد أنسى كل ما كنت أدونه من وجعٍ  بخطأ 
القصيدة 
فعلى شاعرٍ آخر أن يأتي من العدم من بعدي 
و يكمل السيناريو بسيرة الأوجاع في النص الناقص 
الترتيب حتى غفران القيامة بموتنا المر الطويل 
بين صفحات الأيام الأليمة
فكم كنا على حق عندما صدقنا بكائنا الطويل هناك 
على أرواحنا التي ماتت من القهر
فالقصيدة قد ماتت مغلوطة فرميتها بسلة المهملات 
و العمر قد مات هناك و مضى مع الموت لأخر الحكايات
لأخر النهايات العصية 
فرجعت إلى أوراقي البيضاء أفكر طويلاً بكامل 
نقصاني و أصفن في ذبابة تحوم من حولي و
إلى كل الفراغ 
فإسكن يا أيها الموت البعيد بديار الأحلام كما تريد 
بكل قواك و انفجر بأخر ساعتي 
كالبراكين 
فلك كل حياتي و لك كل مماتي و وقت كتابتي 
بوقت المساء 
و انتظرني لساعة أخرى لا ضوء فيه قبل أن تكتمل 
قصيدتي و يضيع مني العنوان بعد ضياع 
القصيدة 
فأنت يا أيها الموت هو العنوان و أنت المكان و أنت 
أنت يا قاتل الروح أنت الأمان 
فخذ صورتي المحطمة معك على دربك البعيد 
يا سيدي و سيد كل الزمان 
فأنا أنا هو المنفي الغريب سيد كل قصيدةٍ مجهولة
الهوية حينما تبكي بالكلمات 
و أنا سيد كل الإنكسارات على دروب النسيان 
و سيد  كل الأحزان  
فلا تحمل نعش قصيدتي مع جنازتي حينما
تموت الحياة بموتي و تنكسر كل الدروب خلف 
الحكايات الراحلة
حينما تتفجر كل الكلمات تحت جدار اليأس 
بحزنها 
و تموت خلف الوجع كل الذكريات كالسراب  
على الورق ......... بيضاء بيضاء 

ابن حنيفة العفريني 
مصطفى محمد كبار  ....    ١٣/٧/ ٢٠٢٥

حلب سوريا 

ليست هناك تعليقات: