مقالة : فن الإقناع والتواصل الفعال.
تُعد مهارة الإقناع من أهم الركائز والأساسيات التي يحتاجها الإنسان في العملية التواصلية، مما يستوجب توظيف جملة من الآليات الفعالة التي من شأنها إيصال الأفكار والمغزى إلى الطرف الثاني -المستقبل- بكل سلاسة، وإقناعه بالأطروحة.
من الآليات الإقناعية الفعالة والأساسية التي يجب الإلمام بها نذكر :
1- الضبط والتهيئة: ونقصد بها ذلك المجهود الذي يبذله الإنسان حتى يراه الغير شخصا متزنا وواسع الاطلاع، ومتعاونا، وواثقا من قدراته. فهذا ما يظهر للآخر أنه يستحق الثقة والاعتماد أو أن يقدم النصح والإرشاد إلى الوجهة الصحيحة.
2- نبرة الصوت : يلعب الصوت دورا هاما في العملية التواصلية، إذ يمكن للطرف الآخر أن يتعرف حالة المتحدث النفسية بكل بساطة من خلال الاستماع لنبرة صوته. فالتغيرات التي تطرأ على الصوت- ارتفاع الصوت أو انخفاضه- أو المقامات تشكل مرآة تعكس حالة الإنسان الداخلية.
3-البيان : إذ يجب على الإنسان أن يوظف لسانا فصيحا، ولغة سلسة وبسيطة، ويحاول تجنب التعقيد والإيحاء والرمز؛ فالبيان هو الوسيلة الناجعة في إيصال الأفكار، وإقناع المتلقي.
وفي هذا الصدد يمكننا الإشارة إلى الأنبياء عليهم السلام، كانوا يرسلون بلسان -لغة- أقوامهم...لِم؟ ليظهروا ويبينوا لهم الحق ولرشدوا أقوامهم إلى طريق الهدى والنور، ويقيموا عليهم الحجة والرهان... بأوضح تعبير ومعنى، وأجمل أسلوب ومبنى.
يقول الشيخ عطية سالم رحمه الله في هذا الصدد "البيان الذي يصحبه الإقناع، ويثمر الاستجابة، لا يكون إلا بالحوار الجيد الناجح"¹ لا شك أن الحوار الناجح والمثمر هو الذي يكون مسبوكا وفق جماليات اللغة وسلاسة التعبير والأسلوب.
4- التمكن المعرفي : لا يمكن أن نتصور شخصا يحاول أن يقنع الآخر بفكرة أو موضوع معين بمعزل عن الشواهد والبراهين التي تصب في الموضوع المطروح، لذلك يجب أن يكون الإنسان ملما بالجوهر وطرق الخطاب والتواصل المختلفة، ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال.
5-الاحترام والتواضع : أي حوار أو تفاوض أو نقاش يجب أن يُبنى على أساس متين؛ وهو أساس الاحترام المتبادل من أجل الإقناع والاستفادة، لذا على المرسل أن يتقبل رد فعل المستقبل كيفما كان، ويعمل على الانتباه لسلوكه وحركاته وخلقه بانتظام مستمر.
6- الوضوح : أن تكون الفكرة المطروحة موضوع الإقناع صريحة غير متحيزة أو مبهمة، أي خالية من اللبس لتجنب سوء الفهم.
7- الشخصية : يجب على الإنسان أن يطور شخصيته، من خلال قراءة الكتب، لتوسيع المدارك وإغناء الرصيد المعرفي واللغوي... وكذا الاعتناء بالمظهر، وذلك من أجل إقناع الآخر شكلا ومضمونا وأداءً إن صح هذا التعبير، إذا "لم يكن هناك توافق بين رسالتك وشخصيتك، فقد يتخذ الذين تأمل إقناعهم قرارا يتعارض مع مصالحك"³ وعليه؛ يمكننا القول إن الشخصية المتكاملة هي عامل الإقناع الخفي.
8- الخبرة : من أجل إقناع الطرف الثاني بأطروحة معينة، لا يحتاج المرء لصوت قوي، أو مظهر مثير فقط، إنما تلزمه مهارة وبراعة وخبرة التحكم في الجسم والصوت معا، وذلك من أجل "إعداد رسالة قوية قابلة للتصديق"³ إذ الصوت والجسم يحدثان وقعا عظيما في نفسية المستقبل (المتلقي).
9- التمكن : عندما يكون الإنسان خبيرا معترفا به؛ ذائع الصيت - معروف باهتمامه في مجال معين - يصبح الإقناع أسهل. لذلك السائل يبحث دائما عن شخص جدير بالثقة، وله دراية بالموضوع.
- التفاوض المقنع...
يعتبر التفاوض من أصعب وأعقد المهام التي ينبغي على الفرد النجاح فيها، فبمجرد التفكير فقط في لفظة "تفاوض" يخاف الإنسان من التعثر والفشل والإخفاق.
حتى يصبح الشخص متفاوضا ناجحا ومتفوقا؛ عليه أولا؛ أن يبلغ مرحلة التصالح مع الذات، وأن تكون له فكرة واضحة عن النتيجة المقبولة والمرضية أو المناسبة التي يبتغيها.
من أجل تفاوض ناجح، ينبغي أن يحتكم المتحاور إلى منطق العقل، ويعرف أن التواصل البناء والمقنع هو الذي لا يقتصر على الصوت المنطوق؛ إنما يتعدى ذلك إلى لغة الجسد التي تترجم الكثير مما لا يبديه الإنسان لفظا.
كما يعتبر الصمت أثناء التفاوض مع الآخر تعبيرا دقيقا في الموضوع المطروح للتفاوض، ويحمل دلالات نذكر منها :
- الإباء والرفض.
- القبول.
-الحياد.
وقد يحمل معان أخرى غير مذكور أعلاه مما تعاقد وتواضع حوله المجتمع.
إن التفاوض الفعال والمجدي يتطلب تواصلا "فعالا يتم بتنمية مهارات التواصل الاجتماعي من خلال القدرة على المشاركة بفعالية وفهم الناس على نحو فعال، وتبادل الأفكار والمشاعر"⁴.
أثناء التفاوض مع المستقبِل يمكن للشخص أن يعبر عن وجهة نظره أو رأيه في الموضوع بطريقة مقنعة وبعدة طرق في علم التواصل بغض النظر عن الصوت المنطوق؛ يمكننا الإشارة في هذا الصدد إلى الآتي :
- تعبير التمظهرات الخارجية : في ثقافتنا مثلا؛ يركز المجتمع على مظهر الشخص كنوع الملبس، والألوان، والرائحة، وطريقة تصفيف الشعر.... ويولي هذا الجانب اهتماما بالغا، فمن خلاله يتم بعث إشارات ورسائل تواصلية غير منطوقة.
- قسمات الوجه والعينين : للتعبير عما يخالج الشخص من مشاعر وأحاسيس وانفعالات يلجأ البعض إلى إشارات وتغيرات تطرأ على ملامح الوجه، مثلا : الانفعال، العبوس، الابتسامة، والخجل...علاوة على هذه التعابير الغريزية -غير المكتسبة- نذكر بعض التعابير المكتسبة مثل : الغمز بالعين للإشارة إلى معين، أو القبلة وتحريك الشفاه للدلالة على جمال الشيء والإعجاب، وإخراج اللسان بطريقة غريبة للدلالة على أمر ما كالرفض أو الإعراض.
- المسافة الفاصلة : ونقصد بها المسافة التي تفصل عادة بين المتفاوضين بطريقة عفوية أو عشوائية جراء الجهل بدورها الهام، وما لها من وقع في نفسية المتلقي.
فالمسافة تختلف باختلاف نوع العلاقة التي تربط بين طرفي الحوار أو التفاوض، كما قد تختلف باختلاف العادات والتقاليد والأعراف والدين وقس على ذلك...
قد تفصل بين المتفاوضين مسافة صداقة أو حميمية أو اجتماعية أو شخصية أو عامة أو... لذا يعتبر عنصر "المسافة" من الأمور المهمة التي يجب أن ينتبه لها الفرد باستمرار لكونها تساهم في إنجاح التفاوض وإقناع الطرف الآخر.
-الحركة : كثيرا ما يستعين المتفاوض بحركات الجسم لتوضيح فكرة ما أو لدعم اللفظ المنطوق، كحركات اليدين، أو الكتفين... لذا أكدت الأبحاث أن "لليدين اتصالا عصبيا بالدماغ يفوق أي جزء آخر في الجسم"⁵.
-الزمكان : ومن أجل التعبير عن الفكرة المتفاوض حولها يجب على الإنسان أن يحترم العنصر الزمكاني، من خلال اختيار الوقت المناسب للتحدث والتدخل أو التزام الصمت، إذ يلعب الوقت دورا هاما في التأثير على المتلقي إما إيجابا أو سلبا، كما يجب اختيار المكان المناسب حسب نوع اللقاء والعلاقة التي تربط بين الطرفين.
- آداب فن التواصل والإقناع.
يعرف الأدب على أنه علمية تهذيب النفس وتعليمها، على اعتبار الإنسان ذات واعية مفكرة وأخلاقية. واتصاف الإنسان بمكارم الأخلاق يساهم في إنشاء قناة تواصلية ناجحة بينه وبين الآخر، مما ييسر عملية التواصل وتبادل المعارف والإقناع.
من أهم الخصال التي يجب أن يتمتع بها الشخص- المصدر- من أجل إقناع الآخر نذكر :
- الهدوء والإنصات.
- المظهر اللائق والاحترام.
- اختيار الوقت المناسب للتدخل.
- الفهم الجيد لفكرة الطرف الثاني وعدم الاستخفاف من الأطروحة الجوهر.
- توظيف نبرة الصوت المناسبة للموقف.
- التعبير الحركي.
- استعمال لغة سليمة ومعبرة.
- الإدلاء بتعليقات مناسبة وأسئلة وجيهة.
- تجب الزلل.
- تكرار الفكرة لتأكيدها.
- الاهتمام بعامل الوقت لكي لا يشعر المستقبل بالملل أوالعياء.
- تقديم الأدلة.
- تقبل فكرة الطرف الآخر.
- التركيز على نقط القوة الممتلكة.
- استثمار نقط ضعف الطرف الآخر بشكل أخلاقي قصد الإقناع.
¹.علاء راغب، مهارات الإقناع الحوار والإقناع، ص: 24.
².ديف لاكاني، الإقناع فن الفوز بما تريد، ترجمة زينب عاطف، مراجعة سارة عادل، ط2016، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص: 34.
³.نفسه، ص41.
⁴.ريهام زيد الحلبي، مهارات التواصل الاجتماعي، ص:12
⁵. نفسه، ص : 65.
بقلم : مصطفى انفد / المغرب