(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم: تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
-----------------------------------------------------
-٨-
الأخت الروحية
يضيق سويلم ذرعا من تصرفات أمه هلاله ،وذلك مما يسمعه عنها هنا وهناك، ويعود يوما إلى البيت كالجمل الهائج ويكون عبدالله موجودا هناك ليرى الحدث .
فقد إنقض سويلم على إمه وطرحها أرضا وأشبعها ركلا وصفعا ،وقام بتمزيق ثوبها ،ثم رفع قلن الكاز وأفرغ كل محتوياته عليها وقال لها وهو هائج كالبيعر وسط بكاء أخوته حسن وحسان وغروب:
-بدي أقضي عليكي مشان نرتاح من فضايحكي؟
بينما هي تردد:
-والله بطلع منكو ياولاد الحرام ،بطلع منكو ..يلعن ابوكو؟
لكن سويلم وهو لايزال هائجا،
بحث عن قداحة أو علبة كبريت ،وعندما لم يجد ،طلب من حسان أن يحضر له علبة كبريت وعندما رفض عندها إنقض عليه هو الأخر بالصفع والركل وثم خرج.
وقالت له وسط صراخها وبكائها :
-روح الله يغضب عليك ياإبن الحرام؟
نقل عبدالله ذلك الحدث لعائلته وكان يحيى يسمع الحديث مندهشا ،بينما أبيه يضحك منتشيا ومتشفيا، لكن أمه قالت بدهشة:
-ياساتر يارب ..واحد بضرب أمه..والله الدنيا أخر وكت؟
* * * * * * * *
تمر تلك الحادثة، ومن جهة ثانية ماطل عليان كثيرا بشأن الذهب والمجوهرات ،لكن بعد أشهر قليلة يظهر عليه وعلى أخوته الترف والغنى الفاحش ،وبناء البيوت الجديدة ،ويتطور عملهم من العمل بالطوب إلى أحجار البناء،ويمتلك كل منهم عربة فارهة، ثمينة.
يذهب حميدان في زيارة إلى عليان ليستفسر عن أمر جرة الذهب، فيقول له عليان ساخرا:
-إنت بعدك مفكره ذهب ياغبي.. مهو طلع حديد وزجاج وكبيته في القناه حتى مايجيني وجع راس من وراكو..هو إنتو بجي من وراكو إنتو وولدكو يحيى غير وجع الراس ..إصحى إتكون مفكر إنا كبرنا من ورى جرتك لمعفنه..إحنا ناس فيه عندنا عقول بتفكر..جوزتني بنتك وبدك إتظلك رايح جاي علي ؟
-طيب طالما هيك إنسى موضوع الجره .. أنا شايف أنو ضعكو تحسن ياعليان..إنت عارف أوضاع القرية ..والله أنا جايك ومافي بالدار رغيف خبز..ياريت تقرضني نيرتين مصروف للعيال لما الله يفرجها؟
-إسمع.. هسى بتكو تقضوها شحده على بابي ..أنا صار لي علاقات في المدينة مع ناس واصلين ..رايحين جايين علي مابدي يشوفكو ناس عندي وتفضحوني..إنتو بتقدرو تشحدو بس أنا مابقدر أشحد..روح هسى مش فاضيلك؟
ثم أخرج من محفظته المتخمة بالأوراق النقدية نصف دينار ورماه له على الأرض ،وقال له :
-خذه وروح ..بلاش أرمي بنتك بوجهك؟
يعود حميدان منكس الرأس وقد صب جام غضبه على يحيى الذي كان أول من رآه أمامه في باحة المنزل فأخذ يصفعه ويركله بغل.
* * * * * * * *
خرج يحيى للتنزه ،وعندما إبتعد قليلا.. رأى مروان وأخته فاطمه وهما يحتطبان ،يتحرش مروان بيحيى متلفظا بألفاظ بذيئة ،وبما أن يحيى كان غاضبا جدا ،فأنه لم يحتمل، فيجري بينهما شجارا عنيفا أثار الغبار،تتنبه فاطمه أخت مروان إلى العراك ،فترم الحطب وتجري إليهما لتعزيز قدرات أخيها مروان ،فتتشاجر مع يحيى بعنف تشد شعره فيشد شعرها ،تصفعه فيصفعها، يلتحمان معا ويتدحرجا على التراب ،بعد ذلك تعترف فاطمه لنفسها بالهزيمة فتنفجر بالبكاء، وقالت له مهددة:
-طيب بسيطة أنا بورجيك يايحيى..بتضربني ..بتضربني يايحيى؟
لم يصدق يحيى نفسه أن يده يمكن أن تمتد يوما على فتاة ،فشعر بالحياء والأسف من فعلته ،
جلست فاطمه على حجر وغطت وجهها بكفيها وهي لاتزال تبكي ،بينما يحيى ينظر إليها فأدمعت عيناه.
ولم يتنبها لمروان الذي كانت تلك فرصة له بأن يتركهما و يذهب إلى بيت يحيى ويشكوه لأبيه الذي يكرهه ويترصد ذنوبه.
إقترب يحيى من فاطمة ومسح على شعرها بكفه وقال لها بود :
-أنا..أنا آسف يختي يافاطمه ..سامحيني؟
رفعت فاطمة رأسها مندهشة من أدبه بالرغم من أنها هي التي كانت البادئة، كذلك تعلم بوقاحة أخيها مروان.
نظرت في عينياه الساحرتان ،رفع قميصة المغبر كاشفا مساحة كبيرة من بطنه الأبيض دون قصد ،ومسح دموعها به ،إبتسمت فاطمة من براءته وتلقائيته ،ثم إنحنى وقبلها على وجنتها.
قالت فاطمه:
-خلص سامحتك يايحيى..وأنا كمان آسفه ..بس أنا مابحب حدى يضرب أخوي مروان عمنه أزغر واحد بخواني ..صح إنو وقح بس بظله أخوي؟
-جد سامحتيني يافاطمه.
-آه والله سامحتك؟
-أنا في إلي خوات كثار ..بس ولا وحده منهن بتحبني وبتدافع عني زي إنتي مابتدافعتي عن أخوكي ؟
إغرورقت عيناها بالدموع من جديد ،كما وأنها تحب البكاء أو معتادة عليه ،وتابع يحيى حديثه:
-دايما بس أكون خايف من إشي ..أو مريض بتمنى إنو وحده منهن توخذني بحضنها ..عشان هيك ماحسيت بحنان الأخت..بس إذا بتقبلي إنكي إنت إتصيري أختي من هذا اليوم بكون سعيد كثير؟
بكت فاطمه من جديد وقال يحيى:
-أنا ..آسف ماكنت قاصد إني أخليكي تبكي مره ثانيه ..أنا..أنا مش عارف كيف بدي أحكي ..أنا دايما بسبب مشاكل لغيري بدون ماأقصد؟
إحتضنته فاطمه وقالت:
-خلص والله إني من اليوم أختك يايحيى؟
كانت المرة الأولى التي يشعر بها يحيى في ذلك الشعور ..لقد أحس بصدقها، وقال وهو بين أحضانها:
-هسى صار إلي أخت اسمها فاطمه،وأخ كبير أسمه عبد الكريم ،وأم اسمها سميحة ..و.....م...؟
-مين كمان ..كمل يايحيى..رفع رأسه من فوق صدرها وقال بحياء :
-بعدين يافاطمه بحكيلكي..بعدين؟
-لا هسى ..مش أنا أختك ..إحكيلي بعدين بزعل منك؟
-إحمرت وجنتاه خجلا من جديد وقال :
-مريم؟
-أيوه ..مين هاي مريم.
-مريم بنت الخاله رحاب؟
-ليش هي رحاب فيه عندها ولاد وبنات ؟
-آآه عندها بنت وحده اسمها مريم.
-وإنتي بتحبها يايحيى؟
-مش عارف يافاطمه ..بس لمني أشوفها قلبي بدق ومابحب إني أبعد عنها..بحب أشوفها كل يوم..وبحب إنها تكون بخير ..وتكون سعيده؟
-طبعا يايحيى لأنك بتحبها.
-ليش هذا اسمه حب؟
-طبعا حب ..أنا بعدين بحكيلك عن الحب ..آآه..الحب إلي أنا واقعه بيه ياخوي يايحيى.
-إنت بتحبي كمان يختي يافاطمه؟
-آآخ ..وواقعه بيه من راسي لرجلي.
ثم نظرت إلى وجهه ورأت جرح صغير وقالت :
-ييييي إيش هذا ..هذا الجرح مني أنا ..الله يكسر إيدي؟
-لا لاتحكي هيك يختي يافاطمه.
ثم قبلته على موضع الجرح،
إستمر الحديث بينهما، حتى قال يحيى لها :
طيب يختي هسى أنا بدي أروح حتى ماأعطلكي عن لتحطب؟
ثم قدم لها خده ثانية وهو يشعر لأول مرة بالأمان وهو في خلوة مع فتاة في القرية ،فتقبله على وجنته دون مبالغة ،يذهب يحيى فتهمس فاطمة لنفسها :
"الله يحفظك ويحميك.. ياخوي "
* * * * * * * *
تنجب سارة إبنتها العاشرة ويذهب حميدان مصطحبا معه الأسرة في زيارة إليها حيث تفوح رائحة القرفة ،وتقدم شوربات البرغل والفريكة وتوزع الحلوى، ولاتنقطع زيارات النسوة للتنعم بالخيرات،والترف ،والنعيم.
تحضر إمرأة ،وتغادر أخرى من أفواج النساء المهنئات إلى منازل عائلة الحجارين الذين أصبحوا أثرياء فجأة.
وبينما يحيى كان يلهو مع حسن سمعه حسان وهو يحدث حسن قائلا:
-أخوانك أخذو الذهب من أبوي وقالو إنه مش ذهب وصارو غنيين كثير..بس الذهب كان حقيقي؟
ينقل حسان الكلام إلى أخيه عليان وهنا تتطور كراهية عائلة الحجارين العجيبة ليحيى من الكراهية، إلى العداوة، ليصبح له أعداء جدد مقربين وعلى رأسهم أخته سارة.
بالرغم من أنه نال عقابا قاسيا من الأب محاولا بذلك إرضاء عائلة الحجارين.
* * * * * * * *
بالرغم من أن فاطمة كانت متعلقة بأخيها الصغير مروان ،إلا أنها كثيرا ماتعاقبه على مشاكسته بالضرب ،خصوصا إذا ماكان هو البادىء بالشجار مع أخيها الروحي يحيى.
ومقابل ذلك كان حقد مروان على يحيى يزداد إشتعالا يوما بيوم،
ليصبح حليفا لأخوة يحيى، فدائما ما يدعي صداقته ومحبته ويغرر به ،ويشكوه لأبيه ليستمتع بمشاهدته وهو يعاقب.
* * * * * * * *
قامت فاطمة بمصارحة يحيى بحبها "لحازم" ،وأنها تلتقيه دائما بالرغم من معارضة الأهل لتلك العلاقة ورفضه عدة مرات من قبل الأب عندما كان يتقدم لطلب يدها لأنه معاقر للخمر، وعاطل عن العمل.
لكنها تحبه ولن تتركه أبدا، وأنها مستعدة أن تمنحه كل شيء..كل مايطلبه منها مهما كانت النتائج.
بل حتى لو طلب منها الهروب معه،
قال يحيى مستفهما:
-فهمت عليكي ..يعني هذا هو إلي بقولو عنه الحب؟
-آآه..هذا هو الحب يايحيى.
-طيب كيف بحس إلي بحب ..قصدي ..إلي بحبو بعض بشو بحسو وهمه مع بعض ؟
-بحسو بشعور حلو كثير ،مابقدر أوصفه إلك ..بس إنهم بدهم يظلو مع بعض وقلوبهم بدق..آآه..مابتوقف عن الدق يايحيى.
-هذا الشعور بحس بيه لمني أشوف مريم ؟
-أيوه شايف يايحيى هذا هو الحب ..ولسى تخيل لما تحضنها وتبوسها بتحسو إنكو مابتشبعوا من بعض .
إحمرت وجنتا يحيى خجلا عندما تخيل نفسه يضم مريم ويقبلها، وقال:
-حلو الكلام عن الحب؟
-ولسى لمنك تكبر وتبلغ بصير الحب أحلى وأحلى..وبتصير تتحدى كل الناس عشان حبيبتك.
-إيش يعني لمني أبلغ ..مافهمت هذه الكلمه؟
-هذه بتعرفها بعدين عيب أحكيها هسى .
-آه ..ماشي؟
يحظر مروان منهيا ذلك الشجن ويقول:
-فاطمه، أمي بدها إياكي؟
-طيب هيني جايه ،روح وأنا بلحقك.
-هسى بدها إياكي قالت لاتجي إلا وهي معاك؟
قالت بضيق :
-طيب هيني قايمه معاك؟
تصافح يحيى يقترب منها ويحني خده كي تقبله كالعادة لأنها اللحظة الأجمل في لقاءهما بالنسبة لها، فتقبلة قبلة عادية ..بريئة ..قبلة الأخت لأخيها الصغير ،أما مروان فتتأجج بداخله نار الحقد وهو يرى ذلك.
* * * * * * * *
إستمرت علاقة يحيى بأخته الروحية فاطمة ،إلى أن حضرت إليه يوما بينما كان ينتظرها في نفس المكان ،وقالت له وهي تذرف الدموع:
-آآخ ياخوي يايحيى قديش الدنيا غدارة؟
-إيش مالك يختي يافاطمه خير إن شاء الله..أنا مابحب أشوف دموعكي.
لكنها لم تستطع التكلم فأحتضنته
وأجهشت بالبكاء.
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
١٤-٢-٢٠٢٤