شكراً يا يوسف
جسدٌ مهجورٌ على ضفاف
الهاوية
و ثلاثة توابيت في جنازة الغريب
مزرقةٌ بالسواد
مقبرةٌ مليئةٍ بالقبور بقريةٍ من غبار
فهي تعج بالأشباح الصارخين يلعبون مع
الريح
لكنها خالية و فارغةٌ تماماً من الموتى و من
الزائرين
فلا أحدٌ يمر من هناك لا أحد و لا أحدٌ يحمل
البنفسج فهو زهر المحبطين
غرابٌ وحده مصابٌ بعينهِ اليمنَ يقف هناك على
أحد القبور و هو يراقب ضجر الأرواح
المتهالكين
و أنا أنا واحدٌ من أهل النسيان غائبٌ هناك و
حاضرٌ بعلتي لا فرق يكسرني مجدداً إن غيبني
العدم
فهل كنت هناك يا يوسف لترى ما لا نرى من
سقوطنا الطويل
أم إحتضنت كل الغياب لوحدك و مضيت
للسماء
فمن لا يقرأ الآن من نشيد الموت فلن ينجو من
لعنتك و من لعنتي
قد تناهدت كل الارواح وجعاً و قد ضاعت
كل الأمنيات فينا
قد قرأت يا يوسف ما لم نقرأ نحن مما قرأت
أنت بزمن العجز و النهوض من موتنا
البريء
فقل لي هل أعاتب زمني المكسور سحقاً و كآبةً
أم أعاتبك و أحضنك بشدة و أبكي
فلما أوهمتنا يا يوسف بآياتك عن الكواكب
و النجوم بزمن البدايات
لما قلت لنا بأن السماء تستجيب لدعاء المظلوم
و تعين بالمعحزات
فأدمنتنا في التأمل الشحيب دون نجاةٍ و كم
كسرتنا خلف الحكايات
أألست الذي من قال لنا بأن الطيب يوما ما
سينتصر على الشر و إن طال زمنه
فلما إذاً نقشتنا في الحجر عدماً دون أن ننتصر
على شيء في هذه الحياة
فكم خضنا حروب الإستعارات بالطعنات و كم
تعذبنا بيومنا الذليل الطويل حتى
الممات
فكيف تهنا غرباء منكسرين عن أنفسنا هكذا
و نحن مقيدين بباب الموت في
الثبات
لما رجعتنا للوراء بألف حكاية و حكاية و نحن
منهزمين و بلا مأوى
لقد خنتنا يا نبي الله قد خنتنا مرةً أخرى مثل
اخوتك فأوجعتنا ألماً ألماً
فالذئبُ كان أرحم من الذين كانوا يسكنون
الروح و لذوا بالفرار هاربين
و الذئب كان أرحم من أهل بيتي و من
أولادي
فلما علمتنا بأن القداسة بالطيبِ محفوراً بالإيمان
يا مالك الروح في الإنكسار
و قلت بأن الأخلاق ستقودنا لبر الأمان بسلام
إلى هناك
فكيف رميتنا في البئر لوحدنا و تركتنا ننزف
بحراحنا كي لا نرى الشمسَ فنحيا في الحياة
هناك و لو بالقليل القليل
فحتى ذاك القليلُ القليل يا سيد الزمان يا إسطورة
الحكايات السعيدة كان علينا عصياً لندركه
من الحرمان
فلما أدهشتنا هكذا بسيرة حياتك و انتصرت
لوحدك هناك على من كسروك
فلما سقطنا وحدنا نحن و إنكسرنا هنا لألاف
آلاف المرات
فيا شيخنا الجليل المعظم من نور ماذا دار
بيننا قل لله كلامك كله و امضي
سبيلا
فهل ضاقت علينا وحدنا كي نحترق و نحن
واقفين منكسرين
فماذا سأقول و أقول لمن أجهدوا بروحي المتعبة
المقتولة و ناموا كالحجر فوق صدري
واثقين
لماذا سأنتظر بعد الآن و كل الأيام تحرق ذاتها
و تحرقني بوجع الإنتظار
قل لي يا نبي الله كيف سأنهض من نعشي المعذب
و أصحو بجنازتي بزمن الذئاب و الكلاب
كيف سأمضي لذاتي القديم و دون أن أنكسر
من جديد في التفاصيل
فهل نتبدل الأدوار بيننا لنرشد الحالمين على
يأسنا و على جرحنا الكبير هناك
أم نتباعد أكثر في الرحيل معاً فالساعة لم تعد
تتسع لكلانا فعلى واحدٍ منا أن يرحل من
الآخر
فأقول لولدي الذي تلاشى صوابه و هو بحضن
إمرأة مستعصية لا تحب قربنا
يا بني إحتفظ بقميصي القديم المعرق بالعذاب
و إحفظ شكلها و حجمها و لونها البائت
الرديء المجعد من التعب
فعلكَ تحتاج لرائحتي بذات يوم يا ولدي و
تشتاق لزمن أبيك الراحل
و عندما يجهدكَ الوقت بمر الألم و تحاصرك
الأوجاع من بعد موتي فلا تنادي أبي
فعندما تكسرك الحياة على سفحك الأخير
فلا تبكي بالفراغ و تندم
و كلما جاء ولدك و أوجعك مع الزمن الطويل
تذكر صورتي الحانية للهلاك و بحة
صوتي في البكاء
و لا ترمي يا ولدي مكان النبع حجراً على
جسد أبيك
لتنتقم من ذاتك فتغتال حياتك عبثاً بوجع
الزمان
فإني أخاف عليك من التباعد و عن ساعتي
الاخيرة مع الموت
فتمهل هناك إن كان لديك من الوقت ما يكفي
لتتذكرني هناك
فربما تنبت بمكاني في قلبك عشبة توحي
لك بأثري
أو ربما يا ولدي ينبثق من حجر قلبك سنبلة
من بعد الجفاف
يا بني لا تعجل بموتي فقط راقب ساعتي و
موعد جنازتي في سفري الأخير
ستمضي يا ولدي كما مضيتُ أنا مع السنوات
بذاك العمر المكسور المذبوح بأيامٍ لا
تشبه الأيام
فلا ترمي بكل أشيائي من حياتك يا ولدي
كي لا تبحث عنها غداً فيما بعد
عدماً
فأنا أبحث في ذاكرتي يا ولدي عن أي شيء
يذكرني بأبي
الله على زمن أبي
الله على رائحة أبي
الله على تعب أبي و صورة و جرح أبي فينا
لقد كبرنا و كبرنا صغاراً لكننا لم نكبر إلا بسنوات
الضياع حزناً على أبي
فلا تعد مثلي بزمنٍ ما
أو بوقت ما و أنت تبحث عن أي شيء من حياة
أبيك الراحل لتتذكره بالحنين
فكن يا ولدي كما أنت كنت معي دائماً صلباً عنيداً
كالحديد أمام الريح من بعد الغياب
و لا تنطق بإسمي من الفراغ و من الهزيمة بعدي
لتقول أبتي أبتي
فإن الأموات النائمين يا ولدي الراحلين من أرواحنا
لا يسمعون صراخ و نداء الأحياء
و ربما هم لا يقرؤون لغة الكلام من القصيدة
إن بقي هناك كلام بعد كلامهم
فلا تكسرني عليك وجعاً يا ولدي بعد الموت لألف
مرة فلا أقوى على وجعك
و لا تجعل من نفسك مثلي وقوداً بمحرقة الآخرين
فتخسر كل حياتك دون أن تدري بأنك قد
خسرتها فتخلدُ بين أحشائك جحيماً مراً فلا
يرحمك من نار الإشتياق لزمني
فإنتظرني لكي أرحل منك يا بنيَ و إنتظر حتى
تعيد النظر بكل أشكال الحياة و بالدروب التي
تأخذك لأبيك
فالحياة يا ولدي ليس إلا محطة العذاب و ذاكرة
تعذبك بالحنين فتأخذك للعذاب
فلا تمتحني أكثر بالوجع عليك بعد موتي فأنا
لا أتحمل وجع أكبادي المتعبين
فإرحمني من عذاب النار فيكفيني ما ذقته
بجحيم حياتي كلها بسنوات
الخذلان
فشكراً لك يا يوسف يا نبي الله المعظم
الرشيد الرصين
قد كسرتنا ثانيةً و تركتنا نرسو بشطأن الحرمان
بكل القرابين البعيدين
فماذا ستفعل أكثر مما فعلت من أجلنا
و ماذا سنفعل نحن أكثر مما إنكسرنا ضائعين من
أجلك لتقوم الساعة
فالحياة قد تكالبت مراً و أوسعت بجرحنا ساحاتها
و أوصلتنا إلى مكانٍ لا حياة فيها
فأقول و أقول لمن لعبت كالفراشة فوق صدري
لإبنتي الصغرى
قفي هناك يا إبنتي بذاك الزمن الراكض في المتاهات
و إتركيني كطيرةٍ غرها السفر
البعيد
و لا تحملي صورتي القديمة بأحضانك معكي
بدروب النسيان
و لا تبكي ندماً على موت أبيك إن كنتِ في البعيد
و أنتِ تشفقين على الذكريات
بالدموع
فالصورة قد تحطمت بشكلها و مقامُها بيوم زفافك
البعيد البعيد
فلا تعبثي خلف الجنازات بصور الذكريات و
الأموات و أنتِ تشهقين بالحنين
و لا تسقي قلب الحجر بجسد المتوفي الغريب
بالماء المالح
لكي يخضر العشب فوق القبر لتوهمي نفسكِ
بأنك قد غفرت بذنب أبيكِ عبثاً فتتصالحي
مع الغياب
فالأشياء التي تذهب للموت لا تعود ثانية
فالعمر لا يعود للوراء يا صغيرتي
لا لا ما هكذا تكون الود و الحديث بين الأحياء
و الأموات الراحلين فالطقوس لم تعد طقوس
العدالة
دعي يا ابنتي كل تفاصيل الغياب لأهل الغياب
و إنسجمي مع أيامك العصيبة و استريحي
هناك بدوني
و لا تعودي من هناك لذات المكان القديم فتبكين
بعد الوداع في زمن السراب على أيام
السراب
فلكِ من حياتي كل حكاياتك بأيام الطفولة
و ساعات اللعب معي بابا بابا
قد تناثرت كل الايام يا ابنتي و لعنتنا
الأرواح
فقل لنا يا سيدنا يوسف ....... ؟
إلى أين تأخذنا السنين و كل الدروب قد ماتت
بإنكسارها بزمن الراحلين البعيدين
و كل العناوين باتت تتراجع للوراء و الزمن التعيس
لا يفارقنا و صارت كل العناوين
فراغٌ فراغ و لم يعد هناك أحد
فأعدنا يا يوسف من هناك إلى هناك أعدنا لأيامنا
الأولى بلا هزيمة و بلا وداع
قد كنت على حق عندما عدت لبيتك المسلوب
معافاً
فالطريق إلى البيت القديم أرحم من خيانة
الزهور بالمنفى
قد كنت أحتضر بأن أعيش هناك بذات يوم
لكن الحظ أوعظني بالهلاك منذ أن وصلت
لإدراكِ لحقيقة الأشياء
و كنت هناك أفتش من بين بقايا الأيام عن
سر السعادة الزوجية بالسنوات
الثلاثين
لكني قد عجزت و عجزت عن الوصول إلى
قلوبٍ تحجرت في السواد الأبدي و غلبتني و
انتصرت عليَ و هي منتصرة بالكفر
دائماً
فعدت من زمني القتيل إلى زمن التحسر و الأوجاع
رغم انشغالي الطويل مع اللاوقت بسلة
جراحاتي و بالذكريات
فيا نبي الله المعظم لا تبكي عليَ مع الحجر
فتكسرني بحزنك العظيم
فقط كن شاهداً بوجهك البريء المشع بالنور
أمام الله
فإشهد على وجع الحكايات الطويلة بيوم
القيامة
المثقلة بالإنكسار و العذاب لتكون عادلاً بمحكمة
القتلة و الضحايا
فمثلي لا يستحق دموع الأنبياء فأنا من نزفت
بدمائي سُداً
و أنا من أحرقت بحياتي كلها من جهل طيبي
و من حماقاتي
و كل ذكرياتي هي وجعٌ و عذاب و حسراتٍ
قد أشقت بمر أيامي الثكلى و شيبتني بالشيب
من قهري و من مأساتي
فلم أحيا يوماً كما الآخرين تنعموا بالحياة فرحاً
و غنوا للصباح
و لم أحلم يوماً كما الآخرين حلموا و عاشوا
منسجمين مع أحلامهم بمسائهم
المضيء بغيابي
و لم أعرف يوماً ما هو شكل حلم الأموات البسيط
غير جحيم الموت
فقط كنت بطول السنين و أنا أخيطُ و أطرز
بثوب الكفن للرحيل
فإحملني إحملني على عجلٍ من حاضري المر
إلى أمسي البريء
ملاكاً أطير حراً بسماء الحدس بين الكلمات
بأجنحتي المحطمة
و إعفو عني بالذنب الكبير و أنا أجهد بجسد
القصيدة و ألعنها
فإن استطعت سامحني يا نبي الله لأني أتعبت
روحكَ النقية برحلتي المشؤومة المعذبة
بالهلاك
فقد تعبت و تعبت تعبت من كل الحياة و من
كل الليالي الطويلة بسهري الأبكم
اللعينة
فخذني لبعيدك البعيد إلى هناك و أشفق بحالي
قليلاً
كما أشفقوا عليك من قبلي و حرروك من البئر
دون أن تموت
فخذني يا حبيب الله لموتك المشتهى هناك و
قربني من نعشك لكي أرتاح بلحظة موتي هناك
فلم أعد أنفع للحياة بعد هذا الإنكسار
فلا هنا رضي و أشفق بحالي و لا هناك أدهشني
في الخلاص و أنا مالي ثقلٌ على أحد
مالي روح لكي أحيا
فهم قتلوني يا يوسف هم قتلوني كما فعلوا
بك المقربين من قبل قد فعلوا بي أيضاً بل
أشد طعناً و وجعاً يا يوسف
لكني لم أمت مثلك سعيداً بخلاصي من اللعنات
فأنتَ قد نجوت من جسد الموت و من بئر
العذاب أما أنا فلا ..... فلم أنجو
فيا يوسف الملاك الخاسر الحائر الباهر
الشكل
فكم حقدوا عليك و قتلوكَ و رموكَ و دفنوكَ
و أبعدوكَ عن أبوكَ الحزين
و كم بعدوك و أهملوكَ و نسوكَ في البئر
و عادوا لأبيك و قالوا ..... ؟
أبنا الذئب قد آكل يوسف يا أبانا فإنكسر أبوكَ و كم
كسروك و أنا إنكسرت يا سيدي مدرجاً
مع الريح
فكم أزوك و أجهدوك و عذبوني و أزوني و عذبوك
و كم أدهشوكَ و أدهشوني حينما أرادوا أن يقتلوك
فقتلوني مراراً و تكراراً و كم طعنونني
بالظهر وجعاً
بكل يوم جديد هم قتلوني يا يوسف و كم أكلوا
من لحمي كالكلاب المفترسة يا نبي الله
و نسيت من شدة الوجع أن أموت لوحدي
بدون قصيدتي
فقل لي ماذا فعلنا لكي نموت هكذا بهذا الحجم من
الألم و بهذا الحجم من العذاب الكبير
فياليتني مت معكَ هناك و عدتُ لمكاني القديم
لإختصرت كل الحقيقة
و الحقيقة تقول قد كنا و كانوا و كانوا فكنا
ثم لا شيء
ثم غابوا عنا و غبنا نحن بأرواحنا بالأنين
ثم ماذا .... ؟
ثم نكرر الحالة نتوجع على من كانوا معنا فغابوا
عنا تائهين و نحن توجعنا مشرزمين
بألف حكاية
فأهزي خرفاً بالكلام و الكلام هنا ملكنا وحدنا
لا حصة للغرباء القاتلين بها و لا حصة لمن مروا
من حياتنا هناك خائبين
قد تاهت البوصلة بدرب العائدين يا رسول الله
لجحيمهم و إنقردوا كالغبار و تناثروا
في الهواء للبعيد
فهناك من كانت معي تحمل ذنب القسمة و
النصيب لكنها رحلت متأخرة
أخذت كل أشيائها عن قصدٍ و هي تخدع رب العرش
و ذاتها
تلاشت
كفرت
هربت بصورتها بضحكتها بغنائها الحزين بصوتها
الرنين و بذاتها و هي تنادي بأسمي
حبيبي كم أحبك
ملعونة هي و تافهة هي و حقيرة كالمستعمرة
قد نكرت ذاتها بذاتها
ثم رمت بجسدها بنار احتراقي و رمت بكل السنين
وراء ظهرها بلمحة بصر
تعندت بمر الأوجاع و شنقت روحها بحبال
صلالتها بين وجهتين بعيدين عن
بعضهما
تناثرت كالضباب بين يدي بشتاءٍ لا يريد
أن ينتهي أو يزول
فسكنت بين موتها و بين حلمها
البعيد
فأجهدت بكل حياة أولادها حزناً و شروداً
و كم أجهدت
تباعدت عن الحقيقة و عن الحب الطاهر
فأحرقت ذاتي و ذاتها القديم
دمرت بيتنا و فتت بخبزنا اليابس و رمت بكل
الثوم المعلق على الجدار و كيس البصل و بكل
أشيائها في المحرقة و ذهبت مع الريح
سافرت لذاتها و بذاتها فحرمت توبة التائبة
لتكون لذاتها
نكرت بطول السنين و بالقيامة و تناثرت كالضباب
كالضباب تناثرت
طعنت
غدرت
قتلت
خربت
كذبت
شتمت
صرخت
رقدت هناك و استعصت
و عوت كاكلاب بعواء الماكرين لتكسر الحقيقة
و الحقيقة هي سواداً مر بقي لذاتها
فأجمت بكل أجزاء الرحيل و رحلت بشهوتها تزرع
شوكاً بجسد الزهور
و تكلبت حينما أرادت أن تمضي متكالبة حتى
آخر حدود الكافرين
رحلت كافرة قاتلتي و هي تحلم بأرض التافهين
العابثين بروح الملاك
رحلت و هي تجرُ ورائها بخيوط التنازل عن
العرش في زمن الحرام للحرام
فماذا و ماذا و ماذا أقول لها لقد أخذت مكانتها
من جسدي إلى مكان لا شرف فيه
لقد أخذت تاريخ العمر الطويل كله و رمت به
تحت قدميها و تشردت غريبة تجرُ
انكساري
بغدرها الكبير بجرحها في السفر بفرحها الباكي
بهروبها الطويل لأرضِ الكلاب
و الكلاب هي من رتبت بحلمها الريخص لتكبر
هناك
و الكلاب هي من دربتها لتصبحَ كلبة فتشبه
كلابهم بذاتها
فنكست بيمني برحيلها بخنجرٍ لا يرحم
الضحية
و نكست بشمالي بلعنة الذكرى و أودعتني
بأوجع العذابات
فيا الله لما كسرتنا بالأمنيات و بأشياءٍ بسيطة
و نحن لا نستحق بأن ننكسر هالكين
هكذا
لماذا كرمْتنا يا الله بالأخلاق و الطيبة هكذا
و هكذا و هكذا
هل لتكسرنا أكثر لأننا نملك الأخلاق كما هم
لا يملكون
لما علينا أن ندفع حياتنا ثمن طيبنا و محبتنا
لهم و لما نحن لوحدنا محكومٌ علينا بأن
نحمل أوجاع السنين هكذا
و لما و لما و لما يا الله يا ربنا المكلِ بالعدل و
بالرحمة والغفران فأين محاسبة الظالمين
الغادرين القذرين
فقاتلتي تبقى هي قاتلتي فهي أرض القلائل
و هي أرض الكثر من الراغبين
قد رحلت و راحت تلازم بمرها بغيابها و هي
تكسر بصورنا القديمة أمام الريح
فأقول لها لقد أوجعتني أرقاً و ألماً و طعنتي
بروحي لآخر الوجع حتى قيامتي
فلا تعودي ثانيةً يا صاحبة الطعنات و فارستها
القاتلة المحترفة
فأرحلي لبعيدكِ للبعيد كما تريدين و لا تعودي
من موتنا من هناك لتجددي بموتنا
كوني إمرأة وفية للطعن و للرحيل الطويل
الطويل
فمثلكِ لا يحق لها في التفكير بطريق العودة
بعد هذا الزلزال المميت
فالقد انكسرت الحياة فينا و انكسر جسر العبور
لذات المكان و المكان لم يبقى لتعودي لذات
المكان
فأبحثي عن صورتك هناك في تلك الحاويات
القمامة جيداً
و إبكي على أولادك المنكسرين البعيدبن عن روحك
إن استطعتِ أن تبكي ندماً
فعليك اللعنة فالقد أحرقت كل الديانات و
كفرتِ بها
فدعي الكلاب وحدها تنفع و تستفيد من جسدك
المباع لألف كلبٍ بأحلام الصاغرين
فكوني هناك حجراً و لا تعودي فقد تغير كل شيء
هنا و مات كل شيء هنا يابساً و بائساً
حزينا
فأنا و أنتِ لم نعد نشبه بعضنا يا أيتها الناكرة للجميل
و للسنين الثلاثين فلم نعد نحيا لنحيا
معذبين
فشكراً لك سيدنا يوسف .......؟
لأنك قد علمتنا كل الحقيقة عن الكواكب و
عن الشمس و عن السجود لله خاشعين و عن
بشرٍ لا يعرفون في الحياة إلا طريق
الخيانة
شكراً لأنك أحييتني بالقصيدة بمعجزة الكلام
و أعدتنا لنجسْ بنبض الروح باللحن
البعيد
شكراً لك يا يوسف و ألف شكر
لأنك قد قرأت لنا بمر الحكاية عن الذئب و عن طعن
المقربين فأدركنا شكل الزمان بوجعنا و هلاكنا
الكبير
فعذراً يا أيها المسكين السعيد بإنتصارك هناك
على الغياب و على من أعدموك
فنحن قد كنا من الحمقى و لم نكن مثلك لكي
نتعلم من الحياة و قد فسلنا لكي
نتعلم منك النجاة
فنحن كالحمير و لم نعرف سوى السير بطريقنا
قدماً للخيبة إلى يومنا الأخير
فشكراً لك على ما علمتنا إيه من حكمة تروى
لآخر البشرية
بأن هناك من بعد الحرمان من يعودون من الغياب
للتلاقي بين أهل البيت الواحد
فلما اسطعصت علينا وحدنا فالفرق الوحيد بيننا
يا يوسف و بينك يا نبي الله
هو إنك قد رجعت لمن كانوا يفكرون لإغتيالك
ذات يوم فتابوا فعدت من موتك المؤجل معافاً
من الخيبة تماماً
أما نحن يا شبيهي الآخر في الموت
فلم نرجع كأهل البيت الواحد و لم نرجع معافين
مثلك من خيبتنا من هناك إلى هناك لنزرع
شتلة ريحان
فالقد تباعدنا كثيراً أكثر من الموت و تباعدنا
لآخر الزمان لآخر المكان
و عدنا غرباء غرباء كما كنا غرباء و لم نعد مثلك
لمن كانوا يفكرون بإغتيالنا هناك
لكنهم نجحوا بقتلنا و قتلونا يا ملك مصر
الأبي
و إغتالونا بلا دفن بلا قبر دون وداع و الأيام هي
أصبحت لعنتنا الوحيدة
فتهنا غرباء عند منحدرات النسيان بزمن النسيان
مع العمر في الهلاك
و لم نعد مثلكَ سالمين من الموت هناك كما كنا
قبل الوداع يا يوسف
فقل يا رسول اللّه للرب السعيد لآليهتك في
السماء البعيدة هناك
عن إنكسارنا
عن جرحنا
عن مأساتنا
عن ذلنا
عن موتنا مبكرين و عن شبابنا الذي ضاع
في السراب
تذكر قبورنا و أخبره عن موتنا الطويل هناك
في أبدية الأنكسار
قل لربي و ربك يا ربنا قد أدمنتنا على العذاب
فكفاك تعذب بأرواح ٍ مسكينة لا ذنب لها
بكفر الأيام
فيا أيها المظلوم المبجل بالصبر الطويل يا سيدي
يا نبي الله المعظم
قل لربي و ربك لقد خانتنا كل الآلهة و كل الكتب
و إستغفر عني هناك على جنازتي
و اسجد عني سجوداً لله إن لم أسجد بوعكة
الموت المحجر فقد لا أملك الوقت بوقت
الموت
قل له بأن كل الدروب و كل العناوين قد خانتنا
و قد أهلكتنا وجعاً بصور الذكريات و
بالخيبة و الخذلان
فتحجرنا كما لو إننا أبناء الهلاك في الحجارة
كالغبار تناثرت أرواحنا شروداً و ضياعا
و قد ولدنا منكسرين من النصيب تائهين من
الهلاك المر ثم متنا هالكين دون
ذنبٍ بالهلاك
فشكراً لك يا أيها البعيد الهادىء بركن الموت
لأنك
لم تقتل القصيدة و تحرقها كما قتلتنا السنين
من قبل و أحرقتنا
فشكراً يا يوسف و ألف شكر لك يا سندي بيوم
القيامة و شاهدي الوحيد على النكسات
شكراً لإنك لم تقرأ من سخرية كتاباتي
حتى الأخير
و لم تذق مثلي بطعم الوجع المر بين الكلمات
التي لا تشبه أي كلمات
فشكرا لك لأنك حررتني من الشرود الطويل مع
العذاب بقصيدتي العبثية التي لا
تبشر بالخير
و من الإستعارات بجدارية الهزيمة و من تكالب
الزمان بأوجع الحكايات
فها أنا قد ختمت وجع ذاكرتي و حكايتي من
بعض الكلمات المحطمة و المنهارة على
دروب التخاذل
و قد أعلنت عن نهاية الحياة و رحلتي الطويلة
معك يا يوسف فهنا سنفترق
فلا تندب بحظك و أنت معي و لا تلم نفسك
على ظلم و كفر الكلام ببعض الكلمات البسيطة
التي نخرت بجسد الحقيقة كل وجعٍ و
مضت بسبيلها
فهي كلماتٍ فقط فلا تجس و لا تمس بالأصابع
يديك لكنها تبقى كلماتٍ ثقيلة المعنى
و المغزى على الروح
فهي تشبه بوصفها البعيد البعيد شكل
الإنتحار
برغبة و وصف كاتبها المكسور الحزين
المقتول ابن حنيفة العفريي
فشكراً سيدنا يوسف لأنك علمتنا كيف نتأقلم
في الصبر و السلوان
و علمتنا كيف أن نتجاهل موتنا البعيد و نحيا
من بين الركام بالكلام
فشكراً لأنك أحييتنا من جديد في القصيدة
وحدها و خارجها نحن حجرٌ
قد أدركت ما فينا فعلمتنا بأن هناك في الحياة
موتنا الشريد المر
و في الموت هناك حياتنا الأبدية
الخالدة
فشكراً سيدنا يوسف على كل الكلام الجميل
و على كل التصافح و كل السلام
فيك
فشكراً سيدنا يوسف و شكراً للقصيدة التي
قالت كل كلامها و نجت بأعجوبة
الكتابة
مصطفى محمد كبار ٢٠٢٥/٥/٢٤
حلب سوريا