لن تشرق الشمس أبدا
قصة متسلسلة
بقلم : تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
----------------------------------------------------
-١-
وادي الموت
كانت العربة القوية من ماركة المارسيدس منطلقة بسرعة قسوى نحو القرية البعيدة ،القرية الغائرة في أعماق الجبال الصخرية الشاهقة العلو.
كان يعمل عليها "كسرفيس خط" أحد سكان القرية.
وكان يحيى كعادته ينظر من النافذة متأملا الصخور والجبال والكثبان.
أخيرا وبعد إلحاح الأم وافق الأب على اصطحابه معهم في رحلة التسوق الشهرية من المدينة بعد حصوله على أجره من عملة في البناء،
في العادة الأب يفضل اصطحاب أحد أولاده الكبار لمساعدته في حمل المشتريات،
أما الأخ الأصغر محمد أو حموده كما يحلو للأقارب مناداته فلابد من اصطحابه فهو لايترك أمه أبدا،وإن أبقوه في البيت فأنه لن يكف عن الصراخ.
بينما السائق والأب يتجاذبان أطراف الحديث ،كانت الأم في كل حين ترجو السائق قائلة:
-بالله عليك سوق شوي شوي بلاش يبلعنا الوادي الملعون ونندفن بالطينه؟
يضحك السائق ويرد بينما ينظر إليها من مرآة العربة لتلتقي أعينهما:
-لاتخافي بس اصل الوادي بخفف السرعة؟
يقول الأب بضيق:
-يالطيف قديش بتتذمري ياحرمه..ماتسكتي شوي وتوحدي الله..بلاش تلخمي الشفير خليه ينتبه قدامه ..أنا مش عارف على إيش متمسكه بالدنيا ال........؟
أما السائق الذي لايغض بصره أبدا ،فكان ينظر في كل حين من خلال مرآته كي تلتقي عينيه بعينيها مع ضحكة ملء شدقية فتبرز أسنانه الصفراء الكبيرة كالخناجر وتقول الأم مبررة قلقها:
-والله انا مش خايفه على حالي انا خايفه على لعيال؟
فيرد السائق بلا تكليف متجاوزا كل حدود الأدب واللباقة:
-انا ماني شايف مشكلة إنتي بعدكي زغيره ولو صار إلهم إشي بتخلفي غيرهم هو إحنا في القرية شو شغلتنا غير الخلفه؟
تقول الأم بحياء شبه مفتعل:
-يالطييييف؟
ويتابع السائق كلامه :
-هههههه ترى قريتنا أكثر إشي فيها الخلفه والموت ودايما مقبرتها عامره.
-ياربي دخيلك؟
ماأن توشك العربة على الوصول إلى الوادي حتى يبدأ السائق بتخفيف السرعة ويقول للأم ملاطفا ومحاولا التأدب هذه المرة:
-هه كويس هيك يختي؟
ترد الأم وهي لاتزال غير واثقة من امكانية تمهله ولا حتى من نظراته التي تفلق الصخر:
-الله يوفقك ياخوي ويرجعك لعيالك سالم..ياالله سترك ورحمتك؟
ثم تقول بصوت خفيض مكلمة نفسها وهي تشعر أنه قد يكون بينها وبين لقاء ربها لحظة، وكما وأنها تذكر نفسها بماضيها ؛بما في ذلك الذكريات التي لاتظمن لها الرحمة:
"يالله إرحمنا برحمتك ياالله "
لكن مجرد أن سارت العربة فوق الطريق الضيق والذي كان على إرتفاع شاهق ،حتى بدأ الجميع بالارتعاش من شدة الخوف.
وما أن تجاوزت العربة الطريق الضيق، المتهالك المار من فوق الوادي ،وهو الطريق الوحيد الشبه معلق والذي يربط القرية الضائعةو الغائرة بين الصخور بالمدينة،
حتى تكون الأسرة قد تجاوزت مرحلة الخطر الكامن فوق شارع الموت "كما يطلق عليه سكان من القرية" .
وتكون الأسرة بمأمن، وذلك إن لم تعترضهم الصخور المنهارة بسبب الأمطار في فصل الشتاء ،أو أن ترميهم بالحجارة أرواح الموتى الذين قضوا نحبهم في الوادي ؛ "أيضا كماهو المعتقد في القرية".
بالرغم من أن الوقت لايزال عصرا ،إلا
أن الظلام قد خيم على تلك القرية الخالية من الإنارة تماما، ففيها يستعين أهل القرية بفوانيس الكاز أو إشعال النار للإنارة أو لطهو طعامهم.
بدأت العربة بالهبوط تدريجيا إلى أعماق الصخور من خلال الطريق الحلزوني المتعرج، الوعر حيث تقبع قرية يحيى الضائعة والمحرومة من جميع خدمات حكومة الدولة.
عند ذلك بدأ يحيى يشعر بألم في أذنيه بسبب الهبوط المستمر كما وأنه مسافر في طائرة ،أما أخيه الصغير حموده فبدأ بالبكاء وهو يقول لأمه :
-يمه ذني بتوجعني؟
تقول الأم بضيق:
-أيوه ياولد كلنا ذنينا بتوجعنا؟
ماأن توقفت العربة قرب منزل أسرة يحيى الطيني كبقية بيوت القرية عدا عن بيوت الغرباء ،حتى سمعوا أصوات الجلبة وظهر من خلال كشاف العربة عليان الأبله وهو يجري نحوهما مثيرا من حوله الغبار،قالت أم يحيى :
-يالطيف فال الله ولا فالك شو جايب إلنا هذا المجنون من أخبار هذا اليوم ؟
إقترب عليان بسرعة سابقا الجميع ليكون أول من ينقل الخبر كعادته:
- أم يحيى..أم يحيى؟
قالت أم يحيى بفراغ صبر:
-يله إحكي بسرعة ياعليان ويش فيه؟
- و رده ..ورده بنت أختكي ياأم يحيى.
-ولك إحكي بسرعة نشفت دمي علامها وردة؟
-حرقت حالها.
(يتبع..)
تيسيرالمغاصبه
١١-١-٢٠٢٤