الاثنين، 4 أغسطس 2025

قصة قصيرة تحت عنوان{{حديث تحت التراب}} بقلم الكاتب القاصّ المصري القدير الأستاذ{{محمود العارف علي}}


قصة قصيرة
---------
حديث تحت التراب
--------------
في مكانٍ غامض حيثُ الصمت سيد الحكاية ، وجدت نفسي داخل قبر. لا أعرف كيف وصلت؟.. ولا متى جلست بين رفات الموتى. فبدأت أروي لهم حكايتي، كأنني أبحث عن عزاءٍ ، لم أجدهُ بين الأحياء،

تحدثت عن تجاربي الصغيرة.. عن إخفاقاتي..رسوبي في الدراسة.. لحظات الفرح القليلة، والحزن الطويل، حدثتهم عن اليوم الذي كنت أنوي فيه الزواج من فتاةٍ أعجبتني.. وربما  كان زفافي سيتزامن  مع نهاية خدمتي العسكرية.. هكذا كنت اخطط. لكن عمري القصير لم يسعفني لأروي كل الحكايات.

. فقلت لهم متنهداً.. مضت الأيام .. وتبدلت الوجوه.. وتوافد  على  الأرض جيل جديد، لا يعرف عنكم شيئاً .. لكن في الحقيقة لم يحدث شيء مهم منذ  رحيلكم..

لذلك اكتفيت بقول
 الدنيا كما تركتموها... لم يتغير شيء، الناس يركضون بسرعةٍ نحو الموت ، في حربٍ طاحنة تُقرع طبولها كل لحظةٍ ،  وكأنهم لا يعلمون أن المنتصر الوحيد فيها هو الموت
فيركضون.. ويركضون

 الآن فقط أستطيع أن أقول.... يالهم من مساكين،

ثم تنهدت وأضفت،
 أتدرون؟..
 أنا آخر المهزومين، لقد هزمني الموت في لمح البصر.. بعد أن نصبت لي الدنيا فخاً، ورسمت لي أحلاماً  زائله.. مِت في منتصف الطريق ، في مكانٍ بعيد..

 لكن ما العجب ؟..
فالموت قادر أن يخطف  نصف إبتسامتك،  وقد يمنعك من آخر لقمة ،ويحرمك من آخر رشفة ماء.

وفجأة من زاوية القبر رأيت رجلاً  متكئاً إلى الجدار.. بدا وكأنه كان يُنصت إلي.

 إعتدل في جلسته.. وقال بصوت هادئ،
 مارأيك في هذا المكان ياصديقي؟.... ابتسمت بحزن .. وقلت كل شيء هنا يدعو للراحه  والطمأنينة.. والسكينه .. كل شيء يبدو جيداً .. عدا غياب أمي ،

 سكت الرجل لحظة، ثم قال
 ماالذي أتى بك إلي هنا، ياصديقي؟..
 اطرقت برأسي ثم قُلت بمرارة

 ... آه ...  كانت الضربه قوية يارجل، قويه بما يكفي لدرجة أنها وصلت إلي قلب أمي قبل ان تصلني،  برغم المسافه الطويله بيننا ،  آلمتها  قبل أن تؤلمني.. ويتراءى لي في كل لحظة أن قلبها مازال ينزف. مازال ينزف بغزارة..

 أماه.. لقد اشتقتُ إليكِ  ياأمي

 قاطعني الرجل قائلاً
 نعم، نعم... الإنسان يعيش بقلب أمه وقد يربط الله على قلبها 

ثم اتكأ الرجل وقال
أما أنا ياصديقي فقد عشت تسعين عاماً، قبل ان يزورني الموت، أذكر ذلك جيداً، وانا على فراش النهاية، حين بدأ الموت يسرق أنفاسي

 الآن فهمت الحقيقة..
 الرابح الوحيد في هذه الدنيا هو من يخرج منها سريعاً، فالحياه كلها لا تساوي شيئاً، وكل ما يركض خلفهُ ابن آدم يتحول إلي سراب.. ثم يطويه الزمان ويبتلعه في بطنه آلاف السنيين

 صمت الرجل،  وأردف قائلاً، ليست كل الطرق تؤدي إلي الحياة، بعضها ينتهي فجأة دون لوحة تحذير، دون وداع أخير.

ثم مال برأسه إلي الخلف، وقال وكأنه يُنصت لصوتٍ بعيد.. أتسمع ماأسمع؟..

إنه صوت أقدام الأحياء.. أحدهم يقترب من هنا.. يبدو أننا سنستقبل  زائراً جديداً

، أترى؟..
إن للموت سطوة تخضع لها النفوس طوعاً وكرهاً،  وتسدل الستار متى شاءت، إنها النهايه.

ثم اضطجع  فوق التراب.. وأغمض عينيه.. وغاب في سباتاً عميق.. إلي وقتٍ لا يعلمهُ إلا الله.

 استيقظت مذعوراً  وأنا ارتجف، كان كل شيء ساكنًا، الغرفة مظلمة، والعرق يبلل وجهي..

 تمتمت في الظلام كمن عاد من رحلة لا تُنسى، 
إن للموت سطوة، حتى في المنام.

بقلم /محمود العارف علي

مصر 

ليست هناك تعليقات: