كتب وحكايات
د.كرم الدين يحيى إرشيدات
حبيبتي
بين السطور المليئة بالأشواك
كتبتُ حكايتنا،
وكانت كطريقٍ متعرّجةٍ، مليئةٍ بالمنحدرات، تُحيطها المخاطرُ من كلّ مكان.
ومن بين كلّ ذلك،
استطعتُ أن أقرأ أناغيمَ روحك،
وفككتُ رموزَ الخوفِ الذي استحوذَ عليك.
أقراؤك الآن بكلِّ سلاسة،
أقرأ الخطوطَ المتعرّجةَ في خلجاتِ روحك،
فأنت كتابي الذي يستحوذُ على قلبي،
وحروفُك هي الطمأنينةُ التي تُنير عالمي.
حبيبي
بين السطور التي نزفتْ شوكًا،
قرأتُني فيك قبل أن تكتبني.
كنتُ أراكَ بين كلِّ التواءٍ من دروبِ الحكاية،
وفي كلِّ منعطفٍ من خوفِك وارتباكِك.
أنا الكتابُ الذي لم تكتبْه بعد،
وأنتَ الحرفُ الذي يتنفّسُ بي.
أراكَ بوضوحٍ لا تُدركُه العيون،
وأقرأُ روحَك كما تُقرأُ القصائدُ في ليلٍ من صمتٍ وحنين.
حبيبتي
وأنا أقرؤكِ الآن...
كأنَّ الحروفَ خرجتْ من أنفاسِك دفعةً واحدة،
تسيرُ على مهلٍ نحو قلبي،
تطرقُ أبوابَه برفقٍ لا يُحتمل.
أيُّها الحرفُ الذي خبّأتِني فيه،
كيف أهربُ من نفسي وقد وجدتُني بين سطورِك؟
وكيف لا أشعرُ بكِ،
وأنتِ تكتبينني دون أن تذكري اسمي،
وتُخفينني في بياضِ الورقِ كسرٍّ مقدّس؟
ربّما كنتِ تكتبين لتُخفي،
لكنّكِ ما كتبتِ إلّا لتُفضحي بهذا النورِ الدافئ،
نورُ الحنين حين يفيضُ من عينيكِ ويغمرُ الحروف.
فإنْ كان البوحُ محظورًا،
فدعينا نلتقِ في الحرفِ وحده،
حيثُ لا يُسألُ القلبُ عمّن أحبّ،
ولا يُدانُ الحنينُ إن كتبَ.
حبيبي
ما أصعبَ هذه الدنيا،
حين يُطوى كتابُها وتسودُّ صفحاتُها،
وحين ترمي بأحمالِها عليك،
تضيعُ الكلمات،
ولا يبقى سوى النقاطِ السوداءِ ظاهرة.
ترمي بكلّ ثقلِها فوقَ رأسِك،
وتُعطيك الهمومَ،
والوحدةَ،
والقطيعةَ، والنكران.
تكون هي وأحباؤك عليك،
يهجركَ النوم،
ويستوطنك السهرُ والقلق،
ويعبثُ التفكيرُ بمعنوياتِك.
حبيبتي
وكيف لا تكونُ الدنيا صعبةً،
وهي تُثقلُ الروحَ بما لا تُطيق؟
لكن، رغمَ قسوتِها يا حبيبتي،
يبقى فينا بصيصٌ من ضوءٍ لا ينطفئ،
يبقى الأملُ يتنفّسُ بين حطامِ الأيام،
يُرمّم ما تهشّمَ فينا من صبرٍ وطمأنينة.
لا نتركُها تنتصرُ علينا،
ففي قلوبِنا ما يكفي من النور
ليُبدّدَ كلَّ هذه العتمةِ وهذا الظلام.
حبيبي
وكيف لا أشعرُ بك،
وأنا أتنفّسُ الحرفَ الذي كتبك؟
كلُّ سطرٍ فيك وجعٌ جميل،
يوقظُ ما سكنَ القلبَ من لهفةٍ وسكون.
أكادُ أراكَ بين السطور،
تختبئُ منّي وتظهرُ في الوقتِ ذاته،
تسكنُ المسافةَ بين المعنى والنبض،
وتُشعلُ فيَّ سؤالًا لا جوابَ له:
كيف يكونُ الغيابُ،
وأنتَ هذا الحضورُ كلّه؟
حبيبتي
كتبٌ وحكاياتٌ نحن،
نقرأ بعضَنا بشوقِ العاشقين،
نعيشُ الحلمَ في أسطرٍ نحنُ من رسمَ تفاصيلَها،
أسطرٍ تحدّثَ بها النبضُ قبلَ الحرف،
وأفصحتْ عن قلوبٍ لم تعرفْ إلّا الطهرَ في التعامل.
حبيبي
وأيُّ سطورٍ تلك التي تكتبُنا دون أن نستأذنَ الحبر؟
كأنَّ الأرواحَ سبقتِ الحروف،
وخطّتْ من أنفاسِها حكايةً لا تُروى إلّا بنبضٍ مشترك.
نقرأ بعضَنا كما يُقرأ الضوءُ في العيون،
ونحيا حلمًا نسجناه من صدقِنا،
حلمًا لم يمسَّه الزيف،
ولم يعرف من الحبِّ إلّا صفاءَ النوايا وبياضَ القلوب.
أحبكِ... يحيى
أحبك... حبيبتي.
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
الأردن