الثلاثاء، 24 مارس 2020

مقال تحت عنوان {{في مفترق طرق الموت والحياة}} بقلم الكاتب المغربي القدير الأستاذ{{العلمي الدريوش}}

....    في مفترق طرق الموت والحياة

تتناقل الآن وسائل الاتصال والتواصل الإلكتروني فيديوهات وأخبارا حول فيروس كورونا ومن يقف وراءءه ..البعض يصدق ببساطة أن الأمر يتعلق بتسرب غير متحكم فيه لغاز من مختبر بيولوجي أمريكي، وأن كورونا مجرد وهم وإشاعة تواطأ فيها الأمريكيون والصينيون والإيطاليون والألمان.. وهناك ادعاءات أخرى يتم التقاطها وترويجها كالنار في الهشيم. 
  هذا جزء من التضليل وصناعة مفبركة وليست حقائق علمية موثوقة ودقيقة، وهي تقوم على الإشاعات إما المغرضة أو الموغلة في التبسيط والبلادة..أو أن أصحابها يطلقونها لجني مكاسب من ورائها.  
 لا يشكك في حقيقة الوباء (الفيروس) أو نفيه إلا مختل أو ساذج متهور ..هل سيصمت الصينيون والروس والإيطاليون والكوريون.. بهذه البساطة؟! ثم ما الفائدة الآن من اللهاث وراء السبب؟
العالم ينهار اقتصاديا ونفسيا أمام فيروس يحصد الأرواح ويجتاح الدول ويزحف في كل اتجاه ، وبسرعة غير معهودة ليشل الحركة في كل العالم .. وما لذلك من تداعيات مظلمة على المستقبل. وبدل الاستعداد نجد من لا زال يدفع الناس إلى التهاون والتهلكة ويشغل أذهانهم بالتافه وما لا يقين خلفه.. لم تشغل الصين نفسها بما هو عرضي ولم تستهلك وقتها، بل جندت كل قدراتها وسابقت الزمن وتصدت للوباء بحزم وشجاعة فانتصرت. الآن لم يعد مهما مصدر الفيروس،  بل المهم والأهم تجنب الوقوع في براثنه.. والحد من زحفه. وهذا الأمر يكون سهلا وناجعا في البداية، عندما تتجند الدولة والشعب بكل فئاته وأطيافه ضد عدو واحد.. لكن الأمر سيزداد صعوبة وتعقيدا كلما مر الوقت ، فكل ساعة تمر دون حزم وتصدي جماعي تصبح في صالح الوباء. 
   إن الأمر ليس بسيطا، والدول المتهاونة ستدفع ثمنا باهظا جدا.. وستتمنى لو يعود الزمن إلى الوراء.. والأخطر من ذلك - وليتذكر من كتب له الله عمرا أطول - أن دولا عديدة سيطول عذابها لتهاونها، وستخرج من الوباء محطمة ومجهدة ولن تقوى على الوقوف في مستقبل سيكون فيه الصراع شديدا ولا رحمة فيه للضعيف.  
   العالم اليوم كله في سباق البقاء أمام موت معمم ومعولم .. وكل التركيز يجب أن ينصب على كسب المعركة بدل تبديد الوقت. وعندما يتغلب العالم على الوباء ستطرح آنذاك الأسئلة الجوهرية ليتم البحث عن أجوبتها المناسبة. 
 من هنا،  يتبين كم يصبح الأمر خطيرا حين  نجد  البعض يود أن يتاجر بأرواح الناس حتى في أحلك اللحظات، وذلك عن طريق زرع شائعات تصرفنا عما هو جوهري ولا يقبل التأجيل.. والجوهري هو التوعية والوقوف صفا واحدا في مواجهة الخطر الذي لا ينتقي بل يخبط خبط عشواء. 
هل أصبح دورنا أن نلهث ونلتقط الترهات بدل الاستعداد للموت الزاحف لأننا فعلا موتى ذهنيا وعاطفيا ..والموت يمشي معنا باستمرار..؟!  
    من المؤسف والمحزن حَدّاً ما بعدَهُ حَدٌّ أن نسترخص الأرواح ونستهين بموت  يهدد المئات والآلاف.. وغيرنا يفزعون لموت الواحد كما لو كان موتا يأخذ الجميع.
   رأينا الإيطاليين يغنون للحياة ويشجعون بعضهم البعض على التآزر والصبر في تجربة الحجر الجماعي وزرع إرادة الحياة.. ونحن نرى أمواجا من المتفكهين والمستهزئين والمقامرين والمستهترين الذين ينفقون وقتهم فيما يعمق الانتظارية والاستسلام، وقد كان أولى أن ينفقوه في التوعية وابتكار كل ما من شأنه أن يسهم في مقاومة الوباء بما في ذلك زرع التفاؤل والأمل المبني على الحذر والحيطة والمسؤولية الفردية والجماعية..
                       ولا حول ولا قوة إلا بالله.

د. العلمي الدريوش

ليست هناك تعليقات: