هكذا أنا
قد يظن البعض
إني أهزي خرفاً و أنا أركض وراء الحياة البعيدة
فتباً لمعتقداتي
لقد سمئت من الترتيب يومياً بتفاصيل
الأوجاع فلماذا أنا من بين
البشر
فأنا واعيٍ تماماً بخسارتي و ما أدونه بكتاباتي
و أعرف جيداً
بأن لا أحد هناك سيقرأُ من القصيدة
التي أكتبها الآن
و أدرك تماماً بأن هناك غيابٌ تام و عدم الحضور
على دروب اللقاء بالخاتمة
فما بيني و بين العالم إختلاف كبير بكل
المزايا و بكلِ خطوةٍ بوصية
المحايد
فهنا الكلام المباح نصفه حقيقة و نصفه الثاني
هو إعتراف
فقد لا يعرفني و لا تعرفني تلك المساحات المزروعة
بالأمل و بأيامٍ أخرى لا لا أمل
لكني من البعيد أنا أرى كل الأشياء و هي تمضي
نحو حياةٍ أخرى بديلة فتلك هي الحقيقة
و لعنة حياتي
فلا أحدٌ يراني و أنا أُدفن حياً هنا و هناك
رغم بساطة التفاصيل
فهل أنا حجرٌ كي أصمت حتى القيامة
أم أنا أنا ماءٌ من زخات المطر كي أجري في الوديان
العميقة لأهرب من
وحدتي
و قد أكون أنا كغيمةٍ بلا أفق لا تعرف الهدوء
لتستريح من السكون بالأحزان
فلو كنت شبحاً لتسلقت جدران المنفى
الطويلة للهو و تغلبت على كل
الضجر
عبسٌ هذا الهراء فأنا فقط جرحٌ من عدم
فأنا مثل هذا الهواء
ألمس كل شيء بالمعنى و في الحقيقة أنا لا ألمس
شيء غير الوجع المستميت
فالنار ناري بقفص القلب هو مسكون
و الشمس ترقص باردة في كفِ
الملعون
الكتاب هو كذبةٌ كبرى بذاكرتي تلعن
و تصون
و الأرض تبقى تحت قدمي جحيمٌ
مدفون
فإن كنتَ حياً يا جرحي فأنا لا أكون
و إن كنتُ أنا الحيُ فأنتَ لن تكون فخذني
كما يريدني الزمان
فهنا تبدأ الحكاية بفصلها الأخير منهارة بشكلها
القديم و القصيدة تخشع
بالبكاء .......
بزحمة الغيابِ يعتليني
كلُ دمعةٍ
تغزو بحرقتها زخماً من المقلِ
و هي
تجرفُ بزحفها مساراتي كأنها سيلٌ
و نهرُ
في الرديمِ أتضرعُ من عبثيةُ اللا وقتِ
كلما
شاخَ بيَ الحنينُ و أرهقني
الضجرُ
فأغرقُ بينَ الحينِ و الحينِ ماضياً
في السرابْ
لوحدي أرشفُ براحتي ظلاماً
بعتمِ النظرُ
هكذا أنا
أتعثرُ بكلِ الدروبِ حينما أخطوها
موهناً
فأنزلقُ على وجهِ الأفقِ البعيدِ كسحابةٍ
تشقُ بجرحِها و تهوى
السفرُ
فساعةً تراني أركضُ لحضنِ المرايا
أبكيها
و ساعةً تراني واقفاً بكسرتي أمام
الموتِ أحتضرُ
أنا في المحنِ كلُ دارها كقدرٍ يبشرني
بالظُلامات
فلعنةٌ تُسقطني شغباً و تباركني
و لعنةٌ تحملني لتلكَ التي نكثتها في
الجحيم
فأنا في النكباتِ ريحها العاتِ و أدنو
عصفاً
أتدفقُ بمرِ الأيامِ كالقرابينِ من الحرمانِ
و أفتقرُ
فما كنتُ كنخلةُ اليمنِ في الصحراء
كي تعرفني
و ما كنتُ للعابرين إلا جسراً يهوي في
الهلاك
فتراهم يمضونَ كالغرباء عني و
ينتصروا
هي شتاتٌ و غربةٌ تعاشرني في
أزلٍ
و مازلتُ أداعبُ بجسدِ العذابِ و أُعانقهُ
تيتماً
فيا علتي مالكِ تشنقينَ ببقاياي رماداً
في الريح
مالكِ تحشرينَ بي كصعلوكٍ راضاهُ في
القفصِ القفرُ
ها أنا أنامُ بكلِ ليلةٍ متيقظٌ
كالحجرِ
ها أنا أرنو بوجع الذكريات مفجوعٌ
لفجرِها
أراجعُ بكلِ لحظاتِ السنينِ و
أتحسرُ
كالمربضِ مازلتُ أخسرُ بكلِ الليالي
وجعاً
فأشكو من صراعاتِ الألمِ مع الذاتِ
المشرود
كالشظايا أتطايرُ غباراً أمامَ الرياحِ و
أنفجرُ
فكل الأماكنِ هي تقيدني بسلاسلٍ
من عدمٍ
كلُ الدروب توحي بأني هاوٍ رغم المسافاتِ
لجهةِ الضررُ
شلٌ أنا كثقلُ الأمواتِ في التوابيتِ
المتعثرة
فلا أعرفُ مكانَ دفني و لا أدري بنجاتي
فأعودُ مرةً واقفاً كالحجرِ
لأحيا
و بألفٍ رحيلٍ تراني كالمهوسِ
مستنفرُ
مقيدٌ أنا في الوجعٌ فلا أقدر أن أبعدهُ
عني
و لا أقدر من ذاك اللعينِ أتحرر
و أهجرُ
فأنا البلاءُ المسكونُ بكلِ خطوةٍ
للورى
أنا اللئيم الخاسرُ بالخبايا و هي غاصبةٍ
حين أُكبدها
فلا أرضى الأقدارِ و لا بما هدني هذا العمرُ
من وجعٍ
و لا رضيتُ يوماً بشيبُ الكهلِ و لا
بخرفُ الكبرُ
فأتوهُ خاسراً بكلِ السنينِ بين الوجعينِ
و أغمرها
وجعٌ قد فاضني بمرهِ و أجهدني
حتى صاح القلبُ من شدةِ الوجعِ يا ويلي
إني أنكسرُ
حتى الآن أنا أتحايلُ على غرسِ الأوجاعِ
في التيهِ مغامراً
أمشي بالبلاءاتِ حافياً بين ثكلى
الكلماتِ
بالخوفِ و الحذرُ
شاعرُ معتوهٌ أنا فمازلتُ أدونُ من الوحي
كلَ ما يكسرني
و لا أتقنُ ما أقتبسهُ من القوافي
حرفاً
فمالي لا أحسنُ أن أنجو بالقصيدةِ
و أرتبُ بأحرفِ الشعرُ
فمازلتُ أكتبُ بالعندِ عن الحزنِ رواياتٍ و
روايات
فواحدة أكتبُ عن اللأرق
و واحدةٍ أخرى أكتبها عن التعبِ و الحماقةِ
و أُخريات عن الكربُ
فيتوهُ الحرفُ مني بالمعنى و بالسوءِ
كالبرقِ ينهمرُ
فأسطرُ كلاماً عن الهمومِ في الهلاك
و عن المستحيل
و للآن أسلو بالإستعارات عن ثنايا الروحِ
في ثراها الأخير
و كلما جئتُ أنهضُ بالروحِ
أتعثرُ
فأشكو من خللٍ ذاتي دارَ لسنينٍ
يعصرني
و راحَ يجرني كشاةُ العرجاءِ ورائهُ
بالألمِ و القهرُ
فهذا العمرُ الطويلِ هو بلاءٌ مهما تبدلتْ
السنينُ و الفصول
و هذا الجرحُ الطالحُ المعجون بالنبضِ
البطيء يغلبني
فمازالَ يطفوُ ألماً بسُودِ النصيبُ
و القدرُ
فمالي أدعبُ صدى الكلماتِ التي تبكيني
بهزائمي
مالي أبقى بالأحزانِ أحملها ببقايايَ
و هي تحرقني
بالجمرُ
و ليسَ لي متاعٌ في هذهِ الدينا
لكي أباركهُ
فلا أبٌ ينجيني من المصِاعبِ كلها
و لا من أمٍ بصدرها
تحتضنُ
لا حبيبٌ معي أعانقهُ كعاشقٍ حينما
أتوجعُ حزناً
لا بيتٌ لي ها هنا و لا نبيذُ بكسرتهِ و
لا شجرُ
فعلى دروبِ المنايا صرتُ أعتقُ الهمَ
بالخساراتِ فقط
كالمقتولِ أحاولُ أن أنجو من الرُمَاتِ
و أتحاشى من طعنُ السيوفِ التي
تهطلُ كالمطرُ
هكذا أنا
واحدٌ من أهلِ النسيانِ واحدٌ من أهلِ
العذابْ
أتألمُ بكل عنوانٍ حينَ أسكنهُ
بلعنتي
و لا أحصدُ من الأيامِ إلا فاجعتي
و طولِ السهرُ
غريبٌ أنا عن هذهِ الدنيا الفانيةِ مهما
سُرتها كالأسيرِ
و كأني أجبرتُ السماءَ حينما ولادتني من
أمي حجراً
و كأني وَجهتُ قلبي المسكينْ عن قصد
لدربِ الوجعِ
حتى حسبتهُ من شدةِ الألمِ
حَجرُ
أنادي بالقصيدةِ بكلِ ما يحترقُ بداخلي
من أشياء
فأبوحُ بكلِ معاتمي شعراً و نثراً
فأعوي و أعوي سراباً و كأني كلما كتبتُ
شعراً فتراني بالحرفِ
أكفرُ
فهذا أنا و هذا هو حظيَ المكنون
بالبكاءِ
أناجي بالقبورِ منتفضاً لأنجو من مهادمي
فأمضي حزيناً
و أمضي كئيباً أتزمرٌ للخلاصِ و أشدُ لجهتي
بجسدِ القبرُ
فلو كانَ لي في الباقياتِ ما يعيدني
لأحيا
لقلتُ لهذا القلبُ المكلومِ بالأوجاعِ يا قلبُ
تمهل
حتى يمضي هذا الوجعُ بذلتهِ و يشيخُ
جرحكَ الحزينْ بلحنِ
و الوترُ
فهيهاتٌ لكلِ الأيامِ التي لعنتْ و هي
تباريحٌ
و هيهيات فكيفَ أعودُ لدنيتي شاهداً
عليها
و كلُ اللعناتِ منها ماتزالُ تزيدُني سقماً
بكؤوسها المرُ
فتلكَ هي قسمتي من الأيامِ راحتْ تدورُ
بالموحشاتِ
و كلما سعيتُ لدفنها لكي أنسى
علتي
فأراها بكلِ مرةٍ تكسرني و هي كاللعناتِ
تأبى أن تنكسرُ
فها أنا كلي نزفٌ بالجِراحاتِ أنزفُها
كالجمراتِ
اللهبِ
ها أنا أنازعُ كالمذبوحِ من وجعي برشقةِ
الموتِ
فأبكي بويلي و أستغفرُ
محكومٌ أنا بكلِ الإنكسارت
فمالي كاليتيمِ أجاري بجدارُ النهاياتِ
جرباً
مالي ألتمسُ من سقوطِ العمرِ تأسُفاً
و منهُ أعتذرُ
فدعِ الأقدار المشؤومةِ لحالها يا أيها الغائب
و هي تذبحني
و دع كلَِ من تشهى موتي لراحتهِ
و هو
في البعيدِ عني يعلو شأنهُ
يتعمرُ
فهكذا أنا
لا قدرٌ جاء ليفرحني يوماً و لا البشرُ
كانوا معي كبشرٍ
وحيدٌ أنا و سأمضي من واحةٌ الحياةِ
و ألعنها
سأدفنُ دونها كالغريبِ التائهٌ بجنازتي
بلا ذكرى و لا أثرُ
فالحياةُ الظالمةُ و كأنها لا تعرفني
كيف .. ؟
و سيفها المسمومِ بخاصرتي مايزالُ بطعنهِ
يجتهدُ
فيا ليتها ما كسرتني هكذا و لا دارتْ
تهدني بالطعناتِ و
تسْتعِرُ
فأنا المولدُ من رحمِ المآسي
أنا الموروثُ من نقمِ المآسي و الكسَراتُ
تشهدني
فأنا الموجوعُ بكفِ الشيطانِ و أشهقُ
بكلِ جدلٍ
أنا الغريبُ على أبوابِ السماوات أشحدها
ألطمُ بحالي و بالحياةِ
أحتقرُ
فأنا الذي يشهدُ الأعمى بكارثتي
فيغمى
فإني جرحٌ بلا دواء لقيامتي أعاتبُ
بكلِ قدرٍ
و على دربِ الشقاءِ مازلتُ وحيداً أشقى
بالمحنِ و طولها
و أنتظرُ ........
ابن حنيفة العفريني
مصطفى محمد كبار .٢٦ / ١٠ / ٢٠٢٥
حلب سوريا