الأربعاء، 14 أكتوبر 2020

نص نثري تحت عنوان {{أحزان كاتب}} بقلم الشاعر العراقي القدير الأستاذ {{جاسم الشهواني}}


 

أحزان كاتب

الكل يختبئ وراء الأقنعة . وصندوق الجسد ممتلئ بالقصص والحكايات .

لكننا نخفي كل ذلك بإرتداء أقنعة عدة

أحداث مرت علينا وحفرت بداخلنا أخاديد عميقة . وديان جرى فيها نهر الأحزان وصب بنهر المقل .

ليفيض ويبلغ ذروته ويطغى على كتفيه ويلطم ذلك السد الذي كتم أنفاسنا لعقود 

طال ضربه لذلك السند العنيد .

إستجمع النهر كل قواه وأستفر كل روافده ليطمه بقوة كل تلك التراكمات من حزن وألم وأحداث تأصلت بداخلنا . 

ضرب بقوة طاقته السلبية بعد ان حطم أغلال الخوف من المواجهة ليكشف كل أسراره المخبئة بصندوق الأضلاع .. ؟

شعر بالإرتياح وتنفس الصعداء بعد طول مكوث بقاع ذلك النهر الحبيس بسد الخوف

ولد ذلك الإنسان الجديد بعد طول صبر ومعناة .. ؟

وسنين من التذلل والدعاء لرب السماء

ولد طفل الأحزان .. ؟

بعد صوم دام خمسة عشر عام من الحرمان .. ؟

مع اول صرخة .. ؟

كتبت يد الأقدار على جبينه ستشقى وسيتعالى صراخك بقادم الأيام

ولد .. الطفل الحلم .. ؟

بعائلة ثرية مترفة .. تطير فيه من ركع وسجد وأطال بالدعاء .

أغرقوه .. بالذهب والحرير وريش النعام .

حسدته الشمس والقمر وكان قبلة الأنظار .

أصبح الطفل فتى .. ؟

كانت كل أحلامه وأمانيه اوامر لاراد لها . إرتسم فوق شفته شاربيه ونمت لحيته ليبلغ أشده . 

تعاظمت مطالبه وكبرت أحلامه .. لم يكن يعرف للزمن مقياس ولايخشى غدر الدهر

والناس . توالت الولادات ليكون له أشقاء يسدون عين الشمس وشقيقات كانوا له ألف أم منحونه الدفء والحنان . 

عاشوا بسلام ووئام والضحكة لاتفارق الشفاه . 

الخير وفير والحياة تفتح ذراعيها لهم مبتسمة .

لكن للدهر يد غادرة وسوط يلسع الجلود الناعمة .

لابد من تهيئة الأسباب لتضرب تلك اليد بسوطها ضربتها القاصمة للظهور المدللة . 

جنية ملعونة دخلت حياتهم .. ؟

تغلغلت تسيدت وفرضت سيطرتها

قلبت كل الموازين رأسآ على عقب . وثقبت أسفل سفينتهم الرائعة . 

تخبط قبطانها وجن جنون عقارب بوصلته 

أبحرت سفينتهم ببحر قاتم الموج .. ؟

وزارت شواطئ موحشة ذات صخور مدببة الرؤوس . إختفت النوارس البيضاء ونعقت الغربان فوق أشرعتهم البيضاء . غاب عن سمائهم النجم القطبي والبوصلة متوقفة . غربت الشمس وإختفى القمر وتبعثرت النجوم . وقبطانهم بحيرة من أمره ممسكآ بمقود الدفة ويداه ترتجفان .. ؟

الى أين نحن نتجه .. ؟

أين تلك الوجوه المبتسمة .. ؟ 

أين من كانوا ظل ظليل .. 

لأحد .. ؟

الكل قفز قبل أن ندخل بحر التيه 

ليعتلي ظهر سفينة عابرة وبالخيرات ممتلئة . 

غربة ونظرات خائفة حائرة . جوع وعطش ضعف وإنكسار . والسفينة تتجه نحو الصخور بكل إصرار .. ؟

بحثنا عن قبطاننا .. ؟

ليقود سفينتنا لبر الأمان

الدفة لايمسك بها أحد .. ؟

وموج البحر يسيرها كيفما يشاء

أين قبطان سفينتنا .. ؟

ضحك البحر ضحكة صفراء .. ؟

قبطانكم حملته عنقاء الأقدار بعيدآ بعد ان

لفظ أنفاسه الآخيرة  

تداركنا الموقف وتفادينا الإصطدام المميت . غرزت سفينتنا بقاع البحر قبالة ساحل الهلاك .

مد يرعبنا خشية أن يحرر سفينتنا ويلطمها بتلك الصخور المتلهفة لعناقها . 

صخور تلوح لنا بشغف وإشتياق . 

وبات أكبر أمانينا .. ؟

جزر يحررنا بأمر من رب السماء ليحملنا معه للبعيد للنجو 

دواران اصابنا وفقدنا الإتزان . والريح الصفراء مزقت أشرعتنا 

كنا مجرة كاملة .. ؟

شمسين وقمر 

وسبع كواكب تشع ضياء

وخمس شهب تنير عتمة الكون 

غربت شمسنا وتبعها القمر من غير وداع

تاه بالكون العظيم كوكبان .. 

أطبقت الظلامة علينا وجثم الليل على صدورنا

 تكالبت علينا الأقدار .. ووسوس لنا الشيطان .. ؟

نشبت بيننا حروب عدة سلخت الجلد عن اللحم وعرت تفاصيل كانت سر الأسرار .

طغى الموج ولطم سفينتنا وحطمها سقط الجميع ببحر التيه القاتم . 

حملنا الموج معه للمجهول . الكل يصارع من أجل البقاء . 

كانا عصبة واليوم نحن شتات 

هناك من إستهواه المكوث على رمل القاع وهناك من يحاول العوم ليبلغ شاطئ الخلاص .

وحوش البحر تنهش من أجسادنا . والملح شوه جلودنا وملامحنا . 

هناك من إستسلم وقلب على ظهر ليحمله الموج معه لشواطئ العدم . ومنا من لفظ أنفاسه وللأسماك بات وليمة ومزقته الأفواه الجائعة .  

قليل من إستجمع قواه وعقد الامل بالله وإستمر بالعوم ويد الله ترعاه .

حزمة كنا يجمعنا حبل متين

قطع الحبل وتفرقت العصي

كسرنا الواحد تلو الآخر .

ودار علينا دولاب الدهر المقيت . 

لكن الأمل مازال يحذونا .. 

اليوم كلنا عزيمة وإصرار لنعتلي قمة دولاب الدهر ونوقفه بقمته . 

لنعيد كل مامضى  

دروس الحياة كانت علينا قاسية . 

وسوط الدهر لم يقصم ظهرنا بل قواها نحتاج لوقت ليس أكثر . وقبل العمل .. ؟

سنحتسب الله نعقل ونتوكل

وسنبدء من جديد ..؟

سنمسك بفأسنا ونضرب بيد من حديد . سانقلب تربة حقلنا ونزع حبا . وننثر بذور الزهر لنعطر الأجواء

اليوم سنابلنا حوبلة بعد عقم دام سنين اصابتنا 

سنحصد بإمر الله . بصبرنا حب الحياة 

احداث وموافق أدمت قلم وقلب رجل 

يجيد كتابة مابداخله بقلمه و يجيد بحرفية فن البكاء .

أحلام مقبورة وقصور منثورة 

وحزمة بعد ان كان مهابة الجانب .. كسرت عيدانها بالتتابع .

فبأي قلم يكتب ذلك الكاتب

وبأي لغة يسطر على السطور

هو دولة الحزن وأمبراطورية الدموع .

له مع الأحزان قصصآ وحكايات 

عهد قطعه على ذاته مع أول صرخة  

وختم بالدم مع الأقدار بأن لايخون ولاينقضه عهده

جف نهر المقل ولم يبقى بالشرايين غير صوت الصدى وصفير الرياح

بعد أن كانت قصورهم قطوفها دانية .. 

باتت خواية على عروشها 

والغربان تنعق فوق أبراجها

عواء الكلاب مزق صمت الليل الطويل .

سنعود بإذن الواحد الأحد كما كنا 

سنعود بعزمنا ومطاولتنا 

سنعود بعد طول صبر وتضرع بالدعاء .

بأي قلم يكتب ذلك الرجل

كل إناء ينضح بما فيه .. ؟

إن لم يكتب القلم بصدق .. ؟

هو قلم كاذب مقنع ومنافق

إن لم يعلن القلم التحدي ويكتب بمداد النبض حروفآ تشع بالأمل .. ؟

سيقبر القلم ويجف المداد .. بعد أن لفظ صاحبه آخر الأنفاس .

لن يكذب ذلك الكاتب 

كتب ونهر المقل يغرق داخله .

الحياة مليئة بالخداع .. ؟

الكل مقنع والكل بات يجيد ترتيب الحروف وصياغة الكلمات .

سيكتب بما يشعر فيه وما يؤرقه . وسيستمر الى ماشاء الله ويغيير الحال .

وأمر الله لاراد له .. كن فيكون .

حينها .. سيكتب للنور للحب لفجر أكثر سطوع .


                        أحزان كاتب


                                      جاسم الشهواني

                                             العراق

ليست هناك تعليقات: