الأحد، 20 يوليو 2025

نص نثري تحت عنوان{{فاجعةٌ في بلادي}} بقلم الكاتب العراقي القدير الأستاذ{{عباس علي}}


فاجعةٌ في بلادي

هذا الرمادُ... ليسَ غبارًا،
بل جُثثٌ معلّقةٌ في الهواء،
وأنفاسُ أمٍّ
تُهدهدُ جمجمةً ما زالت دافئةً!

فلا تقولوا لها: "مات"،
هي تعرفُ...
منذ أن تغيّرَ لونُ الحليبِ في صدرها،
منذ أن صارَ حضنُها فارغًا
ككفِّ عجوزٍ لا تمسكُ سوى الغياب!

لا تخبروا الأب،
فهو ما زال يشتري الخبز،
ينظرُ إلى الباب،
ويهمسُ لنفسهِ:
"ربما تأخّرَ الولدُ،
لأن الحُلمَ كان جميلاً،
أقامَ في عينيهِ قليلاً..."

في الكوت،
لم يكن الحريقُ نُقطةَ عطب…
كان نشيدًا وطنيًا كُتبَ بالبنزين،
وخُتمَ بأقفالِ النافذين،
وأعينِ المتنفذين

في هذا الوطنِ المهان،
يموتُ الأطفالُ قبل أن يتعلّموا أسماءَ الألعاب،
ويُدفنون
قبل أن يخطّوا أسماءهم
على دفاترِ المدرسة!

في الركامِ،
تركت فاطمةُ فُستانها الورديَّ مغموسًا بالضوء،
وحذاءً صغيرًا
يشهقُ
كلّما خطا الرمادُ خُطاه

النجومُ
لا تُطلُّ من نوافذَ مكسورةٍ،
إنها تخجلُ من النظرِ إلى البيوتِ العارية،
ومن الأطفالِ
الذينَ تعلّموا العبور
إلى أبجديَّةِ القبور
قبلَ الحروف!

الهواءُ متواطئٌ،
والماءُ في المرآةِ يئنُّ:
"لم أعد أُطفئُ شيئًا…"
المبنى انهار،
لكنَّ الضميرَ انهارَ قبلهُ!
الحريقُ اشتعل،
لكنَّ الفسادَ اشتعلَ أوّلًا!

والأرواحُ
كانت تنتظرُ خريطةً
تدلُّها على مخرجٍ للنجاة،
لكنَّ كلَّ المخارجِ
كانت تؤدّي إلى نفسِ القبر!

يا من كتبتم "البيانَ الرسميّ"...
لا تكتبوا عن "تماسٍّ كهربائيّ"،
بل اكتبوا:
عن الطّفلِ الذي احترق
لأننا صمتنا!
عن الأمهاتِ اللواتي تفحّمن
لأننا جبُنّا!
وعن الوطنِ الذي تفحَّم
لأننا باركنا للقاتلِ بيوم الاحتلال!

يا ربّ،
علّمهم كيف تُغلقُ عيونُ الموتى بلُطفٍ،
كيف يُربطُ شالُ الأمّ
على أبوابِ الخوف،
وكيف نُخبّئُ أسماءنا
في أكمامِ النشيد!

يا صغيري…
لا تبكِ،
فالدمعةُ قد تُفسدُ صورةَ الشهيد،
وقد يظنّوكَ مندسًّا
بينَ عظامِ الطفولة!
قالتها أمٌّ وهي تموت:

"لماذا نموتُ بصمتٍ؟
لماذا يُوشم على جباهنا:
غيرُ مؤهَّلٍ للحياة!
ويُعزف ذلكَ نشيدًا وطنيًا؟"

هذا الرمادُ
كان شقيقًا للدم،
وما تبقّى من أرواحنا
يتجوّلُ في فمِ القصائدِ،
كأنّه نايٌ مكسور!

وطنٌ
يخيطُ أقمشةَ العزاء
من حليبِ الأمهات،
ويبيعُ في الأسواقِ
أحذيةَ الشهداء
كأنها تذكاراتٌ مقدّسة!

أطفالُنا – يا الله –
لم يعودوا يحفظون أسماء الدمى،
ولا يفرحونَ بالعصافير،
صاروا يضحكون
حينَ يحترقون!

من يُعيدُ لأمٍّ
جسدَ طفلها المتفحّم؟
من يُعيدُ لفمٍ صغيرٍ
كلمة "ماما"؟
من يُعيدُ لهذا الرماد
وجهًا كان يضحكُ في صباحِ العيد؟

اصمتوا…
دعوا الرمادَ يتكلّم
فهو الشاهدُ،
وهو المذبوحُ،
وهو المذنبُ… أيضًا.

عباس علي 🇮🇶

فاجعة الكوت 💔 

ليست هناك تعليقات: