(فرحة عجوز)
قبل أن تطوفَ روحي في ملكوت السماوات،
ويُصبح جسدي سرابًا ينثر رمادًا على الطرقات،
دعني أنغمس في ربيع غروبي،
أتلمّس وجهك، وأذوب في تقاسيم التجعّدات.
لكلّ خطٍّ في خديك مروجُ عبير،
دعني أتّكئ على كهولة كتفيك،
ستسمع قرقعة عظامي تشهق كلّ التنهدات.
سأرتشف حبّةَ الدواء من يديك المرتجفتين،
وحين أترنّح، لا تَجزَع،
فبحضرتك يغيب الداء،
فأنت الدواء،
وأنت الحياة.
سأحاول أن أحوّل غرفتي الصمّاء،
إلى مملكةٍ فيها كلّ الحياة.
اقترب، لتسمع بقايا صوتي الغائب،
لا تضحك،
على عجوزٍ تحاول أن تكون صبيّةً شقراء.
سأخبرك عن شوقي لأُرْجوحتي الشقيّة،
عن أحلامي التي ركنتها خلف الأبواب.
لن أخجل،
سأخبرك بأنّك كنتَ فارسي الجميل،
كيف كنتُ أَنتعش من حقول الربيع في عينيك،
كلماتك كانت قوتي في الليالي السوداء.
تعال،
لنعيشَ الحُلم، ولو للحظات.
ها هي الشواطئ الحزينة تشتاق أن نركض على رمالها العذراء،
والأشجار تعانق رسمنا، وتبتسم لضحكاتنا الهوجاء.
اركض خلفي، لتلتقط وشاحي الثائر،
لامس عطري الذي يطوف المجرّات،
سنشرب كأس الحبّ حتى نَثمَل،
ستكون قرقعة الكؤوس لحنًا جميلًا:
كأسكِ حبيبتي... صحّة يا قلبي!
هيا، اضحك،
ولا تحزن إن أتاني الوجع على غفلة،
وإن نسيتُ بضع كلمات،
فما زالت روحي شبابًا،
وإن أرهق جسدي البعاد.
دعني آخذ الحبّة الحمراء، أو ربّما الصفراء،
لتُجدّد لي الخلايا المترهّلة العرجاء.
يا أيّها العجوز المرتجف، المتّكئ على عصاه،
خُذ من روحي ما تبقّى من حياة.
لا أريد شيئًا،
سوى:
أن تكون أنت آخر من أرى،
وآخر من أسمع،
وآخر من يُغمض عينيّ السوداوين.
فأنت الحبيب الغائب في صمت الغابات،
أنت البداية والنهاية، يا سيّد الكلمات.
ستتوالى الأجيال جيلًا بعد جيل،
وستزهر روحي ياسمينًا،
لتتدلّى هيامًا في سحر الساحات.
كل عاشق سيندس بين حروفي
ليتلقف عطري هذا المساء،
فقط ليهديها لحبيبته اليانعة السمراء.
هيا، لا تبدأ الآن بالبكاء،
أنشدْ قصائدك،
واصمتْ في هيبة اللحظات.
هدوءٌ عظيم...
انتعشتْ روحي في حضرتك،
يا أيّها الوسيم،
الغافي على درج الأمنيّات.
سهى زهرالدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق