قصة (بندول الساعة)
حاولت النوم مبكرا هذه الليلة، فعلت ذلك نكاية بأبي الذي مد يده وصفعني لأول مرة! كنت أسمع أمي وهي تتحدث إليه، كان صوتها يصل واضحا من خلال باب غرفتنا المفتوح، قالت له :
-تعرف إن ابنك حساس، إنه يمر بفترة حرجة! ثم إنها شقيقته على أية حال. سمعت أبي يقول لها :
-طيب طيب، لا أريدك أن تتكدري، صحتك هي الأهم، تعرفين كم أحب الأولاد، وهذه البنت جسمها ضعيف لايتحمل الضرب، لقد كاد أن يقصم ظهرها. لم أسمع باقي الحديث، فأحدهما قد أغلق الباب، ساد الهدوء بيتنا، لكن خيل لي والنعاس يداعب اجفاني، إن ثمة يد ثقيلة راحت تعبث بشعري وتتخلله بحنان، اتكون يد أبي، أم أمي! تبا لست أدري، فقد نمت. أخذت شقيقتي التي كدت أن اقصم ظهرها تحوم حولي صباحا ، بالفعل كانت نحيلة مثل عود الكبريت، كيف لم انتبه لذلك! طلبت منها أن تقترب، حدقت في بعينيها الكبيرتين شبه الدامعتين ثم فرت هاربة نحو غرفة أمي، همست لنفسي، غبية كنت أود أن امنحها بعضا من لوح الشيكولاتة خاصتي. ظلت حذرة في معاملتها لي، حتى انها باتت قليلة الاقتراب مني، ولم تعد تشاكسني وأنا العب بالدعابل الملونة!. في أثناء ذلك فإن أبي أخذ يمنحني مزيدا من الهدايا ،التي كانت تليق بصبي مثلي راح يزحف صوب عالم المراهقة. كانت أمي في سبيلها للخروج عندما رن هاتفها، تحدثت بصورة سريعة، ثم دوت صرخاتها، لقد مات أبي ،دهسته سيارة. الأيام التي تلت رحيل أبي كانت ثقيلة، بل مرعبة، لقد جف الفرح فجأة في بيتنا، وطغى اللون الأسود على ثياب أمي وشقيقتي ذات العيون شبه الدامعة. قبل الغروب، وجدتها منزوية لوحدها في صالة الإستقبال، تذكرت إنها مدللة أبي، اقتربت منها بحذر، كانت أمي متعبة ونائمة في غرفتها، حدقت بي في أول الأمر، وخيل لي إن عينيها ارتعشتا وهي تفعل ذلك، لكنها سرعان ماغضت من بصرها وراحت تعبث بطرف ردائها، آه ياربي، كدت أن أبكي، كيف لم تنتبه أمي! إن شقيقتي تكاد أن تذوب وتتلاشى! ضحكت في وجهها، دنوت منها وجلست بقربها، جذبت رأسها صوبي، قلت لها وأنا أحاول تقمص شخصية أبي :
-عصفورتي، لن يتغير شيء، سأرعاك طوال حياتي ، هذا وعد. رفعت رأسها، كانت الدموع قد انهارت دفعة واحدة من عينيها، أخذت تنشج، قالت من بين دموعها :
-أبي أيضا قال سأرعاك، لكنه مات، أنت لاتخبرني بذلك لأنك ستموت إن فعلت!. أخذ جسدها النحيل يختض بين ذراعي، ثم فجأة افلتت نفسها ووقفت بعيدا عني، قالت وهي ترتجف :
-أمي قالت سأرعاك وأهتم بك وأدللك،هي الآن مريضة -أشارت بيدها صوب غرفة أمي -أظن بأنها ستموت هي الأخرى. ضحكت فجأة، ثم حدقت صوبي وقالت بهمس وبنبرة غريبة وهي تضع يديها النحيلتين حول فمها :
-سأخبرك بشيء، كل من يدللني يموت، هل تفهم! هذا سر، اخبرتك به لأني أحبك. قالت هذا ثم استدارت مهرولة صوب الغرفة الأخرى، لحقت بها، لم اتبينها في بادىء الأمر، ثم لمحت ثوبها، كانت منزوية وهي تتمايل يمنة ويسرة، مثل بندول الساعة! (تمت )
بقلم /رعد الإمارة /العراق
28/2/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق