الاثنين، 12 أكتوبر 2020

نص نثري تحت عنوان {{الإنسان قلم رصاص}} بقلم الشاعر التونسي القدير الأستاذ {{عزالدين الهمامي}}


 

الإنسان قلم رصاص

***


مَازِلتُ أكتُبُ، فَتَتَغَيرُ الأقْلَام وَيَتَغيَّرُ المَكَان والزَّمَان وبَينَهُم إحْسَاسٌ بِالسَّعَادَة مَمزُوجٌ بِالألمِ مِن بقايا عَدُو يَسْكُنُ العُمْقَ بِدُونِ استِئذَان وَلكِن لِكُل وَاحِدٍ فِي قَلبِهِ تَحَدٍ بِأنَّ المَرْء يَكُونُ مُطَابِقًا لِذاتِه إذَا كَانَ بِمُفْرَدِه وَ عِندَهَا تَكُونُ لدَيهِ الحُرِيَّة المُطلقَة كَالمُجَازفَة وَ المُغَامرَة، وَكُلهَا تَسمِيَاتٌ لِعُمْلةُ وَاحِدَة، فَيَنسَى أوْ قَد يَتَنَاسَى أن وُجُودُه عَلى هَذِه الأرْض لِيَعِيش فِي مُجْتَمَعٍ مَفرُوضٌ عَلَيهِ وَ يَتَعَايَشُ مَعَ أنَاسٍ قَد يُفْرِحُهُ ذلك و قَد لَا يُعْجِبُه إنمَا سَيَتَعَايَشُ ليَترُكَ أثرًا لِلأجْيَالِ القَادِمة ، حَتى تَبقَى له ذِكْرَى بِمَا تَرَك خَبِيثة كَانَت أوْ ذِكرَى طَيبَة، ولأنَّ الإنْسَان مِثلُه مِثل قَلم الرَّصَاص نُبرِيه كلمَا مَرتِ الأيَّام وَبَعدَهَا يَكتُبُ قَلمُ الرَصَاص خَط جَمِيل يَبْقَى أثرُهُ الطيب حَتى بَعدَ الفَنَاء، و أمَّا البَشَر قَد تَتَكَاثر عَثَرَاته وَ لا يَتعِظ رَغمَ كَثرَتِهَا فَيَترُكُ الأثَر الخَبِيث وَ الطَّيب...


قَد نَجِد لِلإنسَانِ بِخِلاف قَلَم الرَّصَاص بَعْضٌ مِنَ الأعْذارِ وَ ذَلك نَتِيجَة العَدِيدِ مِن العَوَامِلِ وَ المُتَغَيرَات بَينَ بَنُو البَشَر مِنهَا الدِينِيَّة وَ العِرقِية وَ الثقَافِية وَ كَذلِك الاقتِصَادِية و الاجْتِمَاعِية ...


لا يُوجَدُ قَلم رَصَاصٍ لَمْ يَسْقُط ولكننَا نَأخُذَه لنُعِيدَ الكِتَابَة مِن جَدِيد وَ قَد تَكُونُ أجْمَل مِن سَابِقَاتِهَا وَ كَذلك لا يُوجَدُ إنسَان لمْ يَهزهُ فَشَلٌ وَ هَيهَات بَينَ السُّقوطِ وَ الفَشَلِ بَونٌ شَاسِع لأنَّنَا لَا نَرُومُ الخَيرَ فَلا يَأخُذُ بِيدِ مَن طَرَقَ الفَشَل بَابَه أَحَدٌ ...


إنَّمَا بَينَ يَومٍ وَ آخَر تَكُونُ إشَارَاتُ الحَيَاة وَ تَبدُو كَضَوءٍ شَارِدٍ فِي آخِرِ الطَرِيق الذِي يُضَاعِف الإحْسَاسَ بِالخَوفِ وَ يُخَيمُ الصَّمْت فَيَهُزه الوَجَعُ مِن بَقَايَا المَرْحَلة حَتَى يَلفَّهُ ظَلامُ الليْلِ فَيَتَنَاسَى أن الصَوَاعِقَ لَا تَضْرِب سِوَى قِمَمِ الجِبَالِ الشَامِخَات وَ أمَّا المُنْحَدَرَات فَلا تَذهَبُ إِليْهَا إلا المِيَاه الرَّاكِدَة ...


وَ عِندَهَا كُلنَا يَنْسِج تَفَاصِيلَ تَجْرِبَتِهِ وَيَرسُمُ عَالمَهُ القَادِم فَيُحَدد حُدُودَ خَارِطة مُغَايِرَة، فَيَتَشبثُ بِالحَيَاة، يَجْمَعُ أشْلائه مِن جَدِيد وَ يَتَمَسَّكُ بِالمُسْتقبَل الذِي يَرْنُوا إليهِ و ذَلِك بِرَغْبَةٍ شَاهِقَة فِي دَاخِلِه حَتى يَكُونَ مُسْتَقبَله أجْمَل فَيُحَاوِلُ الاندِمَاجَ مَعَ بَنُو جِنسِهِ و يَتَنَاسَى نُكرَانهُم وَ جُحُودِهِم وَيَسْلك الطرِيقَ مِن جَدِيد وَيُحَاوِلُ جَاهِدًا الابْتِعَادَ عَن الوِحْدَةِ القَاتِلَة وَ العُزْلَةِ المُمِيتَةِ ...


***


عزالدين الهمامي


بوكريم – تونس


12/10/2020

ليست هناك تعليقات: