حضرت عرسا قيل أنه عرس الناجي أحد بهاليل القرية .
الاعراس عندنا تقام عادة في الصيف لكنها في سنوات الخير تنطلق منذ فصل الربيع
القرويات اللواتي اعتدنا بشعور شعثاء وألبسة مغبّرة بدوْن أجمل من كل ايناث الدنيا .جمال بدوي ملفوف بعبير الزعتر والخزامى .كانت الرموش غارقة في الكحل ، والايادي والارجل مخضّبة بالحناء ومزدانة بالحرقوس
أغلب الرجال كانو مرتدين الجبائب والشواشي والسراويل العربية .رقص الرجال ببنادقهم على صوت الزكرة والطبل واطلقوا الخراطيش في الفضاء ورقصت الخيل وملات الدنيا بحمحماتها وعلا صوت البنادق اثر ابلغ ابيات الشعر الشعبي
في اللوعة او الاغتراب بالحبيبة وارتجال كبار الادب الشعبي
اتسعت حلقة الرقص بدخول الصبايا والنساء وجل الحاضرين .
التفّت أهل الدار في شكل دائرة كبيرة كانت الاجساد والارواح ضائمة الى الفرح
فرقص الجميع رقصات حارة مفعمة بالاحاسيس والمشاعر
نهضت من بين العجائز عجوز كان قد مات أحد أحفادها منذ ايام قلائل فحزنت لاجله كثيرا وبكت بكاء مرّا
عجوز بلغت من العمر عتيا لو رأيتها في غير هذا لأجزمت أنها لا تقوى على الحراك .تقدمت ودخلت الحلقة. كان الالم يقضمها على آخرها . وقفت امام الفرقة الشعبية ورقصت حتى أعيت جل عناصرها . رقصت
بثقل الثمانين سنة . رقصت حتى أطفأت نار الفقد بداخلها فغدت مرتاحة خفيفة .
ترجاني البعض أن أشاركهم الرقص فاعتذرت وقلت لهم سأنشدكم شعرا فالقيت ما اقتدرت به بالتغني بنار الغربة والتغزل الحبيبة وكنت خجولا امام كبارنا الا واحسست بتناغمهم معي يرددون اخر الكلم والهبت حناجر الصبايا والنسوة بالزغاريد وازداد صوت البنادق مدويا
وتماشى معي الزكار بلحنه الحزين وكان ذلك ردا لاحد الكبار
حيث كان ردي
شاقي مهموم متنكد والنوم جفاني
في العشق عفيفة نهواها وهي تهواني
نيراني لهيبة في جاشي لهبت وقادة
ودموعي سكيبة من فرقة مكحول صهادة
زين التعصيبة حازوها في برور صعيبة
وفجوج رهيبة حجبوها وبقيت نعاني
ويا مكبر دايا فراقها راهو شقاني
الحقت النجع تعنّيت ندعي ربي الفوقاني
اومتلي بايديها رخيت بعثت مرسال
من عرشهم جاني
قالتلي ارجع منين جيت والعيشة
من غيرك ماتحلالي
ستناني نايا انجيك بجهار مش درقة
لا تقلق لا تصيبك وهقة
اطيح القمرة ونفلت عالعساسة استناني
بعدها قادوني عنوة داخل الحلقة التي غصّت بالكبار والصغار فرقصت رقصة نشاز من دون ايقاع مضبوط واضحكت الجميع لانني فاشل في الرقص
رصّفت قصاع الكسكسي المكسو بلحم العلوش والزبيب .
كانت قطع اللحم كعادتها كبيرة عكس القطع التي يقصها سكان المدن
كل شيء كبير هنا : الجبل الصحراء الحزن الامل كرم الناس اجساد الرجال واجساد النساء
وتناهت الى مسامعي طرقات طبول قادمة من كل الجهات المحاذية واصوات ناي عذب يشق الفيافي لا شك انه عرس اخر في قبيلة المرازيق او الرحمات .
محمد طه العمامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق