الخميس، 24 يوليو 2025

نص نثري تحت عنوان{{الذئبُ الذي نطقَ بالحكمة}} بقلم الكاتب اللبناني القدير الأستاذ{{محمد الحسيني}}


الفايكنغ بصيغةٍ أخرى (3)
الذئبُ الذي نطقَ بالحكمة

هو لا يُنهي الحروبَ... بل يُبدّلُ أقنعتَها،
يتعبُ من طنينِ السيوفِ،
فيستلُّ حرابًا غيرَ مرئيّة:
مُخدِّراتٍ للوعي،
وسكاكرَ تُمنحُ بجرعاتٍ محسوبةٍ للذائقةِ والدماغِ.

كانَ بالأمسِ يطرقُ أبوابَ المدنِ بالفُؤوس،
واليومَ ينسجُ شباكَه من الأسلاكِ اللاسلكيّة،
يرسلُ لكَ علبةَ محادثةٍ
تبدو كهدية،
وفي قلبها فيروسٌ يُعيدُ تشكيلَ عقلكَ عن بُعد.

هو الذي سمّى القتلَ حضارة،
وسمّى المقاومةَ إرهابًا،
الذي جعلَنا نخجلُ من البندقيّة،
ونتباهى بعددِ متابعينا!

يمدُّ لكَ سريرًا مريحًا،
ويسحبُ من تحتكَ الجغرافيا،
يصنعُ لكَ خبزًا دافئًا،
لكنه يُفرغُ معدتكَ من الكرامة.
يعطيك فضائيّاتٍ وشاشاتٍ مسطّحة،
ثمّ يُسطّحُ وعيكَ،
ويجعلُكَ تصدّقُ أن "كيم كارداشيان"
أهمُّ من بيروتَ التي عايشتْ حصارَ المحتل،
أو أنَّ "مانشستر" أعظمُ من جنين وأحلامِ أطفالِها!

أغرقَنا باللهو،
جعلَنا نُلاحقُ راحةَ المفاصل،
وننسى مفاصلَ أوطانِنا المُخلّعة.
نحفظُ أسماءَ نجومِ الغناء،
وننسى أسماءَ شهدائِنا.
ألم ننسَ مأمون البيطار و أحمد حمدي وغسّان كنفاني،
ونحفظُ سيرَ نجومِ الطبخ؟

الفايكنغ لم يموتوا،
لقد بدّلوا ملابسهم فقط،
صاروا يرتدون بذلاتٍ أنيقة،
ويُديرونَ شركاتِ تواصلٍ اجتماعي،
يحذفونَ منشورك إن ذكرتَ اسم القدس،
ويمنحونكَ علامةَ توثيقٍ
إن غنيتَ عن حبّك لقطّة!

في السابق،
كانت سُفنهم تُرى في الأفق وتُخشى،
أما اليوم،
فتأتي حروبهم عبرَ خوادمٍ في كاليفورنيا،
وتُحطّم جبهاتِنا من الداخل،
من دونِ طلقةٍ واحدة!

لقد نسينا أن نغضب،
صارت حميّتنا رقميّة،
وأغاني الثورة تُعدّلها الفلاتر.

فلا تسألوني: كيف نُهزم؟
بل اسألوا أنفسكم:
من الذي أقنعكم أن الحياة
هي هذا السلامُ المُعلّب،
وأنّ الثائرَ الحقيقي
لا مكانَ له على هذه الأرضِ الناعمة؟

✍️ محمد الحسيني – لبنان 

ليست هناك تعليقات: