أيقونتي أنت
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
حبيبتي،
تَبًّا لذاك العاق، الذي تربّى على يدي، وفي كَنَفي،
ربّيتُه، وعلّمتُه مكارم الأخلاق،
علّمتُه كيف يعضّ على الجُرح، ويصبر صبر العابدين.
عاقٌ ناكرٌ للجميل، أيها الشوق!
لم أكن أعلم أنك كالقَصَب اليابس،
تُشعلك شرارةٌ صغيرة،
لكنّ القَصَب، كلّما جفّ حنّ،
أما أنت، فقد جُننت أيها الشوق!
علّمتُك أن تبقى معي، لا أن تهجرني!
حبيبتي،
حين أذكركِ،
ينسى دروس الوفاء، ويهجرني باحثًا عنكِ،
يترك كل شيء خلفه، ويأتي إليك،
يأنس بقربك،
هو الآن عندك، على بوابات أحلامك،
بعيدٌ عني... لكنه يسكن كل ذرةٍ في كياني،
يلهو بجُمر وحدتي،
تفصلني عنه مسافاتٌ... تقرّبني إليك!
مسافات أشواقي، التي بدأت بدمعة،
وصَرخة مخنوقة في جوفي،
وألف تنهيدة رحّالة، تقول لكِ:
"اشتقتُ إليكِ!"
حبيبي،
ومن قال إني لم أشتق إليك؟
واللهِ، لولا خجلي، لجئتك راكضة،
تسبقني صرخات روحي،
ولو أطلقت العنان لدموعي،
لأغرقت الأرضَ من غزارة انهمارها!
من قال إنني لم أشتق
أن أرتَمي في حضنك،
ذراعك مخدعي،
ونبضك فراشي،
كطفلةٍ مدلّلة وجدت من يُناغيها،
تغفو بين جدران قلب من تُحب،
وتنام وتستفيق على همسات شفتيك،
التي لم تَكُفّ عن مناغاتي...
حبيبي،
البُعد عنك جحيم لا يُطاق،
والعُمر دونك لا يُحتسب،
حين لا تكون،
يَظلم العالم حولي،
وتملأ الوحشة أرجائي،
وأخاف أن أُغمض أجفاني،
فيَنقلب حلمي إلى كابوس،
ويخطف ابتسامتك من عالمي...
حبيبتي،
سحرُ ابتسامتكِ يصلني،
ولو كنتِ في أقاصي الدنيا،
تأسرني ضحكات قلبك،
وأسمع إيقاعات الفرح على بواباتك،
وما الشوق إلا وسيلةٌ لتقريب المسافات،
وللبوح بما في الصدور...
حبيبي،
إن غبتَ عن عيني لحظة،
ينطفئ نور العمر، وينكسر فرحي،
أعيشك بين نبضي وهمسي،
وكلّ غيابٍ منك يوجعني ويجرحني...
تعال، فالعمر دونك ما له قصة!
حبيبي،
أما علمتَ أنك تسكن أعماقي؟
وأنك في غيابك تزيد احتراقي؟
أُطارد طيفك في ليلي، وأحضنه،
كأنك الحلم الهارب من أحداقي!
فعُد، فإن الشوق في بُعدك،
آهاتُ اشتياقي...
حبيبتي،
الآن... الآن...
وفي أواسط الليل، أشرقت الدنيا
بنور إطلالتك،
وتوارى القمر هاربًا،
وبدأ صبحٌ جديد، بدايتُه:
"أنتِ..."
أنتِ بداية كل شيء،
بداية الفرح الذي غاب عن عالمي،
وأول قطرة غيثٍ سقطت على صحارى عمري،
أنتِ النور في قلبي وبصيرتي،
أنتِ كل العناوين الجميلة،
التي أبهجت حياتي...
حبيبي،
صوتك حين يُناديني، يسكن وجداني،
ويُزهر العمر من همسك وألحاني،
ولو كنتَ بعيدًا عن عيني،
فأنت قريب، تنبض في أضلعي،
وفي حضرة حبك... يذوب كل كياني!
لو علمتَ كيف عاثت أشواقي بروحي،
لسكنتَ نفسي، وما غبت عني لحظة!
أشواقي إليك نارٌ لا تنطفئ،
تُحيل صبري رمادًا حين تختفي،
أراك في حلمي، وفي صحوي تُناديني،
فكيف تغيب، وقلبك في دمي مكتفٍ؟
عُد، فالعمر دونك وجعٌ لا يُرتجى شفاءه...
كانت دنياي قبلك حفنةَ غبار،
تتلاعب بها رياح الزمن،
كغريبٍ يبحث عن وطن، ولا يجده،
كغريقٍ تشبّث بقشة... وما نجا!
حبيبي،
كنتَ الأمان في عالمٍ كلّه انكسار،
أعدتَ لقلبي نبضَه بعد احتضار،
صرتَ الوطن في غربتي وضياعي،
ومنك تعلّمت كيف يكون الاستقرار،
فأنت الحلم... وأنت أول الانبهار...
أيقونتي أنت،
ما زلتُ في بداية أغنيتي الأولى،
أهزوجة قلبي،
مقطوعةُ الحب الذي لا يعرف المستحيل،
الحب الذي أرْسينا دعائمه بالوفاء...
أيقونتي أنت،
فرحي وسعادتي، وملاذ همومي،
ورغم اشتعال أشواقي،
وزخم مشاعري المتوهّجة،
واختلاط المعقول في اللا معقول،
أحبك...
لأنك أنت،انا
وأنا انت
د.كرم الدين يحيى إرشيدات
الاردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق