اِرْتِطَامٌ مِنَ النَّوْعِ المُحَبَّبِ***
.............................
واقِفٌ عِندَ زاوِيَةِ الشَّارِعِ،
أُمسِكُ كوبَ نِسْكَافِيهِ بِحَذَرِ قَلْبٍ هَشّ،
أنتَظِرُ الإشَارَةَ تُومِئُ لِي بِالأَخْضَرِ،
كَأَنَّهَا تَسْمَحُ لِي بِالعُبُورِ دُونَ أَنْ يُدهَسَنِي الوَقْتُ.
ومِنَ العَدَمِ،
كَائِنٌ مُسرِعٌ — لَمْ أُمَيِّزْ طَبِيعَتَهُ —
عُصْفُورٌ طَائِشٌ؟
بُومَةٌ ضَلَّتِ الطَّرِيقَ؟
أَمْ شَيْءٌ طَارَ مِنْ شُرْفَةٍ فِي الطَّابِقِ الرَّابِعِ،
يَحمِلُ كُلَّ نَوَايَا القَدَرِ الرَّدِيئَةِ؟
طَارَ الكُوبُ مِنْ يَدِي،
وَانْسَكَبَ عَلَى فُسْتَانِهَا الأَبْيَضِ،
كَأَنَّهُ تَوَاقِيعُ مَجْنُونٍ عَلَى لَوْحَةٍ تَنْتَظِرُ.
وَحِينَ صَرَخَتْ، عَرَفْتُ أَنَّهَا أُنْثَى.
كَانَتِ الصَّرْخَةُ تُشْبِهُ غَضَبَ أُمِّي،
ذَاكَ الوَجْهُ الَّذِي يُمْسِكُ اليَدَ،
وَيَقْفِزُ بِالحِذَاءِ بِلَا تَفْكِيرٍ،
فَارْتَدَّتْ ذَاكِرَتِي إِلَى الوَرَاءِ،
وَرَفَعْتُ يَدَيَّ – لَا إِرَادِيًّا – لِحِمَايَةِ الرَّأْسِ،
كَمَا تَعَلَّمْتُ ، أَنَّ النِّيَّةَ الطَّيِّبَةَ لَا تُشْفَعُ.
نَظَرْتُ إِلَيْهَا،
وَقَدْ تَحَوَّلَتْ بِالكَامِلِ إِلَى لَوْحَةٍ سُرْيَالِيَّةٍ،
فُسْتَانُهَا المُلطَّخُ، وَعَيْنَانِ تُحَدِّقَانِ بِي كَعَدُوٍّ لَا يُغْتَفَرُ.
تَلَاحَقَتْ كَلِمَاتُهَا:
"حَيَوَانٌ؟ مَجْنُونٌ؟ بِلَا مُخٍّ؟ أَهْبَلٌ؟ أَعْمَى؟
شُو بَعْمِل هَلَّق؟ شُو بَعْمِل فِيك؟!"
تَنَفَّسْتُ بِبُطْءٍ،
وَانْحَنَيْتُ أَجْمَعُ شَالَهَا وَحَقِيبَتَهَا،
بِوَقَارِ مَنْ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً ضِدَّ الإِنْسَانِيَّةِ:
"اعمِلِي يَلِّي بِدِّك يَّاه... أَنَا بِأمْرِك!
أَصْلًا لَوْ مَا اصْطَدَمْنَا بِبَعْضٍ،
مَا كُنْتِ شُفْتُ بِحَيَاتِي رِقَّةً عَمْ تِشْتِمْ
وَلَسَانَها طَالِع نَازِل...
نَكْهَةٌ غَرِيبَةٌ... شِرِبْتَا بَدَلَ النِسْكَافِيهِ!"
رَمَتْنِي بِنَظْرَةٍ مَلْغُومَةٍ،
ثُمَّ لَمَعَ فِي عَيْنَيْهَا شَرَرٌ نَاعِمٌ،
وَانْفَلَتَ الضَّحِكُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهَا:
"شُو؟ اسْمُ الله عَلَيْك، شَاعِرٌ وَمِشْعُورٌ؟!"
وَضَحِكْنَا مَعًا —
ضَحِكُ النَّاجِينَ مِنْ لَحْظَةِ غَرَقٍ صَغِيرَةٍ،
وَالعَابِرِينَ مِنْ فَوْضَى النِّسْكَافِيهِ
إِلَى شَارِعٍ جَدِيدٍ، قَدْ لَا يُنْسَى.
✍️ محمد الحسيني – لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق