رحلة العمر
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
حبيبتي،
تعالي نذهب بعيدًا،
لنبني عالمنا أنا وأنت،
مملكتنا الصغيرة،
حدودها مرسومة بمودتنا وشاعريتنا.
مكان لنا وحدنا،
نرسم فيه حلمنا معًا،
ونغني ترانيم أرواحنا،
ونبني آمالنا يداً بيد،
أنا وأنت والطبيعة، وزهر الأقحوان،
وبصيلات النرجس،
نزرع أمانينا مع حبوب القمح والذرة.
حبيبي،
كم حلمت بهذا البعيد الذي لا يرانا فيه أحد،
حيث أنا وأنت فقط،
نتقاسم الحلم كما نتقاسم أنفاسنا،
ونعزف على أوتار الصمت لحن أرواحنا.
سأكون معك هناك،
أروي زهر الأقحوان من يديك،
وأغفو قرب بُصيلات النرجس،
ونخبئ أمانينا بين سنابل القمح وعرائس الذرة،
كي يظل الغد ممتلئًا برائحتك،
ومبتسمًا بملامح حبنا.
حبيبتي،
حلمك ذاك الكوخ الخشبي،
وموقد الحطب،
وسراج الزيت،
وقالب الشموع الذي نصنع به شموع ليالينا،
أما زالت رغبتك قائمة بفنجان قهوة على وهج الجمر،
وقطعة خبز نصنعها بأيدينا؟
حبيبي،
وكيف تموت رغبات خُلقت منك وفيك؟
ذاك الكوخ ما زال يسكن خيالي،
وموقد الحطب ما زال يدفئ حنيني،
وسراج الزيت يضيء لي دربك في العتمة.
أما فنجان القهوة على وهج الجمر،
فهو موعدي الأبدي مع دفء يديك،
وخبزنا الذي نصنعه معًا،
هو خبز القلب... وخبز العمر.
حبيبتي،
قد يكون الشتاء باردًا وطويلًا،
ولكن بقربك أنت الدفء والسكينة لنفسي،
وسأكون عينك التي لا تنام،
إلا بعد أن تستسلمي لأحلامك.
لنكون قريبين من موقد النار،
أعرف بأنك تعشقين قصص ما قبل النوم،
وسأحكي لك كل ليلة قصة جميلة،
قد تكون عني وعنك،
فأنا، حبيبتي، أوثق كل شيء بيننا،
كل كلمة، وكل جملة، وكل بيت،
قصائدنا وثنائياتنا كلها موثقة.
حبيبي،
حين تقول إنك الدفء في برد الشتاء،
أشعر أن الثلج يذوب في عروقي،
وأن الليل الطويل يصبح لحظة بين ذراعيك.
وأنا، حين أسمع وعدك بأن تكون عيني التي لا تنام،
أغفو مطمئنة، كطفلة وضعت قلبها بين يديك.
قصصك قبل النوم ليست مجرد حكايات،
إنها جسور من الحلم تمتد بين أرواحنا،
وعند كل فصل منها،
أجدني أزداد عشقًا بك،
كأنك تكتبني أنا، في كل كلمة، وكل بيت.
هو كوخ صغير،
قصر من خشب،
بنيناه هناك بعيدًا عند جدول ماء عذب يتدفق من ذوبان الثلوج على قمم الجبال.
كوخ أنتِ سيدة القصر فيه،
بنيناه بالحب،
وسنقضي أيام عمرنا فيه بالحب،
لا نريد شيئًا من هذه الدنيا،
إلا أن نكون أنا وأنت،
بعيدًا عن العيون المتربصة،
وبعيدًا عن ضوضاء هذا العالم.
أنا وأنت،
نتقاسم الابتسامة قبل اللقمة،
وتصبح اللحظة معًا بحجم هذا الكون.
وأنا، يا حبيبي،
سأظل أرى ذلك الكوخ في خيالي وطنًا لا تهزه الرياح،
ولا تصل إليه أيدي الغياب.
سأكون سيدة قصرنا،
أرتّب أيامنا بالضحك،
وأشعل مواقد ليالينا بالحب،
وأجعل من كل صباح نافذة على الجمال،
ومن كل مساء حضنًا يضمنا من برد العالم.
سأشرب من جدول الماء معك،
وأغسل همومي بيده العذبة،
وأقسم معك اللقمة والابتسامة،
حتى يصبح العمر كله لحظة،
وتصبح اللحظة عمرًا كاملًا.
حبيبتي،
لنُتفق أولًا:
قهوة صباحك كل يوم أنا أعدها،
والابتسامة الساحرة مطلوبة منك بكل لحظة،
وأنا لا أقبل أن أبدأ يومي إلا بعناق طويل يكسر أضلُعنا،
وأهمس لك بيني وبينك كم أنتِ جميلة،
وكم أنا محظوظ بقربك مني.
حبيبي،
أما علمت أن قهوتي الأجمل هي التي تصنعها يداك؟
وأن ابتسامتي ما هي إلا مرآة لفرحك بي؟
تعال، وابدأ يومك كما تشاء،
بعناق يذيب المسافات بين قلوبنا،
وبهمسك الذي يجعلني أرى نفسي أجمل نساء الدنيا في عينيك،
وأشعر أنني أنا المحظوظة،
لأنك أنت عالمي كله.
حبيبتي،
أنا أسميها رحلة العمر،
نقضيها أنا وأنت بسلام وأمان واطمئنان،
رحلة العمر هي التي نقضي فيها ما تبقى لنا من أيام،
نعيشها معًا، دون أن يعكر صفونا شيء،
نعيش مع الطبيعة التي خلقها الله،
عابدين شاكرين نعمته وفضله علينا.
د.كرم الدين يحيى إرشيدات
الاردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق