الأربعاء، 13 أغسطس 2025

قصة قصيرة تحت عنوان{{سبحان مغير الأحوال}} بقلم الكاتب القاصّ التونسي القدير الأستاذ{{ماهر اللطيف}}


سبحان مغير الأحوال

بقلم: ماهر اللطيف

بلغ مسمعها، كالعادة، خبر خيانة زوجها لها مع أنثى جديدة من أولئك اللاتي يعشقن تدمير العائلات وخراب البيوت. حزنت… بكت بحرقة… اجتاحتها أفكار المواجهة والانتقام، ثم ارتأت أن تحزم حقائبها وتعود جريًا إلى منزل والديها، وشرعت فعلًا في ذلك على غير عادتها.

لكن فجأة… توقفت، كأن قوة خفية أمسكت بكتفيها وأعادتها إلى مكانها. تراجعت عن قرارها، مسحت دموعها بكف مرتجف، رتبت شعرها المنكوش، وضعت مساحيق التجميل بعناية، بدّلت ملابسها، أعدّت طاولة عامرة بما لذ وطاب، وزيّنتها بالشموع، ونثرت أوراق الورود على كامل مساحتها. شغّلت جهاز الموسيقى، فانبعث منه لحن هادئ شجي، ناعم النبرات، يضفي على المكان رونقًا وروحًا ساحرة.

عطّرت أرجاء المنزل بعطرها المفضل، أطفأت الأضواء، ثم جلست في بيت الجلوس تنتظر قدوم "مخلص" الخائن. وبينما كانت تغوص في أعماق شبكات التواصل الاجتماعي، إذا برسالة من صديقتها نزيهة: "صابرة، زوجك في مطعم القنديل بصحبة امرأة، يتغازلان، يتهامسان، يشبكان أصابعهما دون حياء".

لم تكد تستوعب الرسالة حتى جاءتها أخرى من فاطمة: "زوجك يلهو ويغنم زمانه مع إحداهن"…

اغتاظت، اشتعل الدم في عروقها، احمر وجهها، لكن — وكما اعتادت دائمًا — كبحت جماح غضبها، آملة أن تمنحه فرصة أخرى عساه يعود إلى جادة الصواب، أو يطلقها ويضع حدًا لعذابها وعذابه. كانت تؤمن أن الصفح والتجاوز، التغاضي وطيب المعاملة، والابتسامة في وجه "الخائن" هي صفعة موجعة، وردّ مزلزل، وسلاح فتاك، قد يثمر ولو طال الانتظار وكاد الأمل ينقطع.

شردت بذهنها، غاصت في ذكرياتها مع مخلص منذ أول لقاء، مرورًا بالخطوبة فالزواج، وصولًا إلى منطلق المشاكل بينهما: عدم إنجاب الأطفال. ورغم قيامها بكل الفحوصات والكشوفات الطبية، تأكد أنها سليمة وأنه لا مانع لديها من الإنجاب، وكذلك مخلص. كان الأمر نفسيًا أكثر منه جسديًا، وربما إرادة الله التي لم تسمح بعد أن يرزقا بطفل يقول لهما "بابا" و"ماما"، ولله حكمة في ذلك.

ومع ذلك، كان مخلص يشيع بين القريب والبعيد أن العيب فيها، يصفها بالعاقر والمريضة والناقصة، ويمطرها بأقبح النعوت، وفي الآن ذاته يصدح أمامها بحبه وإخلاصه ورفضه التخلي عنها لأي سبب، داعيًا الله في صلاته أن يرفع عنهما هذه الغمة.

لكن خارج البيت… كان لا يتردد في التعرف على النساء والتقرب منهن، ينفق عليهن بسخاء، يغدق الهدايا والهبات، بينما في بيته يطبق سياسة التقشف، متذرعًا بقلة الحيلة وشح الموارد.

فجأة، انتشلها صوت باب المنزل يُفتح ثم يُغلق من أفكارها. استقامت في جلستها، أسرعت بإصلاح زينتها، فدخل مخلص مبتسمًا، قبّلها على خديها، جلس إلى جوارها، ثم أخرج من جيبه هدية صغيرة وقدّمها إليها قائلًا:

– اليوم ذكرى زواجنا العاشرة.

– (مبتسمة رغم الألم) خاتم من الألماس؟

– (يلبسها الخاتم) تستحقين كل خير.

– (بغضب وقد ملت هذا النفاق) وهل كان الغداء في القنديل من نصيبي أيضا ؟

– (مقهقهًا بأعلى صوته) نعم، كنت مع امرأة أخرى غيرك… وقد جلبتها معي إلى هنا.

ناداها بصوت عالٍ: "أدخلي يا روح الروح". أغمضت صابرة عينيها رغم رفضها، وسُمعت خطوات تقترب، وفاح عطر أنثوي ساحر ملأ المكان، شعرت بيدين دافئتين تمسكان ركبتيها، ثم ذراعين تضمانها بقوة، وشفاه تقبّلها بحرارة.

فتحت عينيها ببطء… اندهشت… تسمرت مكانها… كاد قلبها يتوقف. احمر وجهها ثم شحب، دمعت عيناها، ارتجف جسدها، تلاحقت أنفاسها، وتراخت أطرافها. حملقت في ملامح المرأة جيدًا… تجمد لسانها.

ابتسم مخلص، ضحك، ثم قال بهدوئه المعتاد وثقته:

"نعم، هي إلهام أختي الكبرى التي تعيش في المهجر، لم تطأ قدماها أرض الوطن منذ زواجنا. ها هي اليوم بيننا، وقد علمت بضائقتنا فاتصلت بأشهر الأطباء هناك، وحجزت لنا موعدًا بعد شهر… سنسافر معها بحثًا عن الفرج المنتظر والأمل الذي بهت نوره".

ومع فرحها وغبطتها، ظل سؤال يطاردها في أعماقها: "وبقية النساء؟ من هن؟"… لكنها، بابتسامة باهتة، قالت في نفسها:

"عفوت عنك يا حبيبي، أشهد الله أني سامحتك من كل قلبي"، ودعت له بالهداية والتوبة النصوح في كل صلاة ودعاء.

مرت سنوات… وباءت كل المحاولات الطبية بالفشل، حتى وصلا إلى قرار الانفصال وديًا، مع الإبقاء على ما تبقى من ودّ. لكن إرادة الله شاءت غير ذلك.

ففي أحد الأيام، وبينما كانت صابرة ترافق مخلص إلى الطبيب كعادتها لإجراء الفحوصات، جاء الخبر الذي هزّ كيانهما: إنها حامل… وباحتمال أن تكون بتوأم، استنادًا إلى العلامات الظاهرة التي لاحظها الطبيب المختص.

غمرت الفرحة المكان، بكى الاثنان وضحكا في آن واحد، زغردت صابرة من شدة الفرح، فيما أسرع مخلص إلى خارج العيادة وعاد محملًا بالمشروبات والحلويات، يوزعها على الجميع بلا حساب. احتضن زوجته، طوى صفحة الماضي بكل ما فيها من جراح، وبدأ معها كتابة صفحات الغد البيضاء، بحبر الحب والأمل والود. 

ليست هناك تعليقات: