الثلاثاء، 12 أغسطس 2025

نص نثري تحت عنوان{{الغياب الصعب}} بقلم الكاتب الأردني القدير الأستاذ{{كرم الدين يحيى إرشيدات}}


الغياب الصعب
د. كرم الدين يحيى إرشيدات

حبيبتي،
أتدري ما هو الضعف؟
الغياب هو ضعفُ المحب،
هو داؤه العضال الذي يعيث في روحه فسادًا،
هو فتكٌ بالروح ووجعٌ بالقلب.
وما الغيابُ إلا سيفٌ مسلولٌ على قلب العاشق،
يقطع أوصال أنفاسه، 
ويذر الحنين يتيمًا بين ضلوعه.
هو عتمةٌ لا يبددها إلا حضورك،
وداءٌ لا دواء له إلا دفء يديك،
هو لعنة الروح،
 وابتلاء القلب،
فكوني القرب الذي يرد للحياة معناها.

حبيبي،
لو علمت سبب غيابي لعذرتني،
ما كان إلا قسرًا، لا طواعيةً.
كنتُ مرغمةً على الابتعاد،
وأنت لا تدري حال قلبي كيف كان يناديك،
ويبلغك سلام روحي..

حبيبتي،
الغياب ليس مسافة تُقاس،
 بل وجعٌ يُعاش،
هو كسرٌ في نبض القلب، 
وثقبٌ في ضوء الروح،
هو اللحظة التي يتعثر فيها الحلم،
ويجلس الحب على حافة الانتظار،
يناديكِ فلا يسمع إلا صدى صمته.
لو تعلمي كم كان قلبي يفتقدك،
وكم كان صبره يضعف أمام غيابك،
لما احتجتِ إلى عذر.
كنتُ أسمع نداء روحك،
وأشعر بسلامك يلامسني
كما تلامس النسمة قلب زهرة متعبة،
فأضمّه إليّ وأهمس:
هي هنا…
 وإن لم ترها عيناي.

حبيبي،
أنت كل آمالي ونجواتي،
وغيابي كان على نفسي 
أقسى من أثره عليك.
اعذرني…
 فما كنت لأبتعد عنك لحظة،
وبعادي تئن روحي وجعًا،
وتصوم نفسي عن كل شيء
إلا عن ذكر اسمك…
 زادي وزوادي.

حبيبتي،
كلماتكِ تسكن قلبي وتغمره دفئًا لا يُوصف،
وأعلم أن الغياب كان امتحانًا قاسيًا لنا،
لكن حبك في قلبي أقوى من كل المسافات.
لا تعذري نفسك، فأنتِ نبض روحي وملاذي،
وبذكر اسمك يزدان يومي ويهدأ وجعي.
سأظل هنا، 
أنتظر عودتك،
لنعانق اللحظات كما كانت… 
بكل شغف وحنان.

حبيبي 
أما تعلم أن الغياب يسرق من روحي أنفاسها؟
كل دقيقة بعيدًا عنك عمرٌ كامل،
وكل لحظة فراق جرحٌ لا يلتئم.
أعود إليك محمّلة بالشوق،
وبقلبٍ لم يتعلم إلا كيف يحبك.

حبيبتي 
أما تعلمي أني ما غبتُ عنكِ
إلا وأنا أحمل قلبي بين يديك؟
أما تعلمي أني حين تركتُكِ،
تركتُني معك…
 وتركتُ اسمي وملامحي؟
أنتِ تقولي: "روحٌ مشتتة"،
وأنا أقول: أنا الشتات نفسه،
أنا الفراغ الذي يتكوّن حين تغيبي،
أنا الصمتُ الذي يسقط من بين السطور
حين لا أسمع صوتكِ.

لا تظني أني كنتُ أول القاتلين،
بل كنتُ أول المقتولين بك،
وأول الممزقين على أعتابك.
فحبكِ لم يقتلني وحدي،
بل جعلني حيًّا على هيئة ميت،
أتنفسك ولا أصل إليك،
أراك ولا ألمسك،
أسمعك في غيابك أكثر من حضورك.

إن كنتِ ذبلتِ كورقة في الخريف،
فأنا جذر عطشان ينتظر عودتكِ
ليخضر من جديد.

حبيبتي،
غيابكِ كان كسوفًا لروحي،
ومروركِ في خاطري ظلُّ قمرٍ لم يكتمل.
صدقيني، ما كان ضعفي إلا لأنك قوتي،
وما كان وجعي إلا لأنك دوائي.
أعود إليك كما يعود النبض لقلبه،
وأحن إليك كما تحن الأرض لأول الغيث.

حبيبي 
الغياب ضعف ووجع ووهن للروح،
وجع يؤرق قلبي،
وضعف قد يتلف بقاياي،
وجع نخر الجسد والعظم.
ماذا أقول لنفسي إن سألتني عنك؟
وبماذا أجيب الروح؟
ما زال في الجسد بقايا قوة تعينني على الصبر،
أنا في حالة شتات،
ضائعة حتى من نفسي.
ولكن… هل الحب ضعف؟
وهل الاشتياق ضعف؟

حبيبتي 
لو كان الحب ضعفًا،
لكانت أضعف القلوب أعظمها عشقًا،
ولو كان الاشتياق وهنًا،
لكانت أقوى الأرواح تلك التي تحترق بناره.
الغياب لا يكسرنا، 
بل يكشف كم نحن أوفياء،
ووجع الشوق لا ينخر الجسد،
بل ينحت ملامحنا على وجه الزمن
ولو طال السفر...

د.كرم الدين يحيى إرشيدات 

الاردن 

ليست هناك تعليقات: